كتاب منهاج المسلم
أحبَّهُ" (¬1) . وفيِ قولهِ فيمَا يرويهِ عنْ رِّبهِ عز وجل: "وإنْ تقرَّبَ منِّي شبرًا تقرَّبت إليهِ ذراعًا، وإنْ تقربَ إلي ذراعاً تقربتُ منهُ باعاً، وإنْ أتاني يمشِي أتيتهُ هرولة" (¬2) . وفيِ قولهِ في حديثِ أصحابِ الغارِ الّذينَ انطبقتْ عليهمُ الصَّخرةُ إذْ توسَّلَ أحدهم ببر والديهِ، والثَّاني بتركِ مَا حرَّمَ اللّهُ تعالَى، والثَّالثُ بردِّ حق إلَى مستحقِّهِ معَ تنميتهِ لهُ بعدَ أنْ قالَ بعضهم لبعض: "انظرُوا أعمالاً صالحة عملتموهَا للّهِ فادعُوا اللّهَ بهَا لعلّهُ يفرجهَا عنكم، فدعوا وتوسلُوا، ففرَّجَ عنهم الصَّخرةَ وخرجُوا منَ الغارِ سالمينَ" (¬3) . وفيِ قولهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "أقربُ مَا يكونُ العبدُ منْ ربهِ وهوَ ساجدٌ" (¬4) . وفي قولهِ: "أسألكَ اللَّهمَّ بكلِّ اسم هوَ لكَ سمَّيتَ بهِ نفسكَ، أوْ أنزلتهُ في كتابكَ، أوْ علَّمتهُ أحداً منْ خلقكَ، أوْ استأثرتَ بهِ فيِ علمِ الغيبِ عندكَ أنْ تجعلَ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلبِي، ونورَ صدرِي، وجلاءَ حزني، وذهابَ همِّي وغمِّي" (¬5) . وفيِ قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لقدْ سألَ هذَا باسم اللّهِ الأعظم الَّذِي مَا سئلَ بهِ إلاَّ أعطَى، ومَا دعيَ بهِ إلاَّ أجابَ" (¬6) .
3 - مَا وردَ منْ توسُّلِ الأنبياءِ في القرآنِ الكريمِ، وأنَّ توسُّلهمْ كانَ بأسمائهِ تعالَى وصفاتهِ، وبالإيمانِ والعملِ الصّالحِ، ولم يكن بغيرِ ذلكَ أبداً، فيوسفُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ فيِ توسلهِ: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] وذُو النُونِ قالَ: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] وموسَى قالَ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16] وقالَ: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} [غافر: 27] وَإِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ قَالَا: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) } [البقرة: 127] . وآدمُ وحواءُ قالَا: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) } [الأعراف: 23] .
الأدلةُ العقليةُ:
1- غِنَى الرَّبِّ وافتقارُ العبدِ أمرٌ يقتضِي أنْ يتوسّلَ العبدُ الفقير إلَى الربِّ الغني عز وجل، كي ينجوَ العبدُ الفقيرُ الضَّعيفُ ممّا يرهبُ، ويظفرَ بمَا يحبّ ويرغبُ.
2 - عدمُ معرفةِ العبدِ مَا يحبهُ الربُّ تباركَ وتعالَى ومَا يكرههُ منْ الأفعالِ والأقوالِ أمرٌ
¬__________
(¬1) كلاهما حديث واحد رواه البخاري كتاب الرقاق (38) .
(¬2) كلاهما حديث واحد رواه البخاري كتاب الرقاق (38) .
(¬3) الحديث رواه البخاري كتاب الإجارة (12) .
(¬4) رواه مسلم (215) الصلاة.
(¬5) رواه الإمام أحمد بسند حسن. وورد في المعجم الكبير للطبراني (10/ 210) .
(¬6) رواه الترمذي كتاب الدعوات (63) وابن ماجه كتاب الدعاء (9) .
الصفحة 43