كتاب منهاج المسلم

محاباتهُ دونَ سائرِ أولادهِ، ويشهدُ لهذَا قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا وصيَّةَ لوارثٍ". فقولُ المريض: إنَّ لولدِي فلانٍ كذَا دونَ سائرِ أولادهِ أشبهُ شيءٍ بوصيةٍ لهُ، والرسولُ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لَا وصيَّةَ لوارثٍ" إلاَّ أنْ يجيزهَا الورثةُ، مَا لم تقم بينةٌ تُثبتُ مَا أقرَّ بهِ لوارثهِ، وعندَ ذلكَ يصحُّ إقرارهُ.
***

الفصلُ الثَّالثَ عشرَ: فِي الرقيقِ
وفيهِ مادَّتانِ:

المادَّة الأولَى: فِي الرق:
1 - تعريفهُ: الرقُّ هوَ الملكُ والعبوديةُ (¬1). والرقيقُ: هوَ العبدُ المملوكُ مأخوذٌ منَ الرقَّةِ ضدِّ الغلظةِ؛ لأن العبدَ يرق لسيدهِ ويلينُ ولَا يغلظُ عليهِ بحكمِ الملكيَّةِ الَّتي لهُ عليهِ.
2 - حكمهُ: حكمُ الرقِّ الجوازُ؛ لقولهِ تعالَى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36].
وقولِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -: "منْ لطمَ مملوكهُ أوْ ضربهُ فكفارتهُ أنْ يعتقهُ" (¬2).
3 - تاريخهُ ومنشؤهُ: عرفَ الرِّقُّ بينَ البشرِ منذُ آلافِ السنينَ، فقدْ وجد عندَ أقدمِ شعوبِ العالمِ كالمصريِّينَ والصينيينَ، والهنودِ واليونانيينَ والرومانِ. وذكرَ فِي الكتبِ السماويَّةِ كالتوراة والإنجيلِ، وكانتْ "هاجرُ" أم إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الخليلِ عليهمَا وعلَى نبينَا أفضلُ الصلاةِ والسَّلامِ جارية أهداهَا ملكُ مصرَ "لسارَّةَ" امرأةِ إبراهيمَ وهيَ أهدتهَا لزوجهَا إبراهيمَ عليهِ الصلاة والسَّلامُ فتسرَّاهَا فولدتْ لهُ إسماعيلَ عليهمَا السَّلامُ.
وأمَّا منشأُ الرقِّ فإنَّهُ يعودُ للأسبابِ التَّاليةِ:
1 - الحروبُ، فإذَا حاربت جماعةٌ منَ النَّاسِ جماعة أخرَى وعلتهَا قهرًا استرقَّتْ نساءهَا وأطفالهَا.
2 - الفقر، فكثيرًا مَا كانَ الفقر يحملُ الناسَ علَى بيعِ أولادهمْ رقيقًا للناسِ.
3 - الاختطافُ بالتَّلصُّصِ والقرصنةِ، فقدْ كانَ جماعاتٌ كبيرة من أوربَّا تنزلُ إلَى إفريقيَا، وتخطف الزنوجَ الأفارقةَ وتبيعهم فِي أسواقِ النِّخاسةِ بأوربَّا، كمَا كانَ القراصنةُ منَ البحارينَ الأوربِّيينَ يتعرضونَ للسفنِ المارَّةِ بعرضِ البحرِ ويسطونَ علَى ركَّابهَا، فإذَا قهروهم باعوهم فِي أسواقِ العبيدِ بأوربا وأكلُوا أثمانهم.
والإسلامُ وهوَ دينُ اللّهِ الحق لم يُجزْ منْ هذهِ الأسبابِ إلاَّ سببًا واحدًا فقطْ وهوَ الاسترقاقُ
¬__________
(¬1) يعرِّفهُ بعضهم: بأنهُ عجزْ حكميٌّ يصيبُ بعضَ النَّاسِ.
(¬2) رواه مسلم في الإيمان (29).

الصفحة 432