كتاب منهاج المسلم

بواسطةِ الحربِ، وذلكَ رحمةً بالبشريّةِ، فإنَّ الغالبَ المنتصرَ كثيرًا مَا يحملهُ ذلكَ علَى الإفساد تحتَ تأثيرِ غريزةِ حب الانتقامِ فيقتلُ النساءَ والأطفالَ تشفِّيًا منْ رجالهم، فأذنَ الإسلامُ لأتباعهِ فِي استرقاقِ النِّساءِ والأطفالِ إبقاءً علَى حياتهم أولًا، وتمهيدًا لإسعادهم وتحريرهم ثانيًا. وأما المقاتلةُ منَ الرجالِ فقدْ خيرَ الإمامَ فِي المنِّ عليهم مجَّانًا بدونِ فداءٍ وبينَ افتدائهم بمالٍ أوْ سلاحٍ، أوْ رجالٍ، قالَ تعالَى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] .
4 - معاملتهُ: لم تختلفْ معاملةُ الرقيقِ عندَ الأممِ كبيرَ اختلافٍ إذَا نحنُ استثنينَا أَّمةَ الإسلامِ، فقدْ كانَ الرقيقُ عندَ تلكَ الأممِ لَا يعدُو أنْ يكونَ آلةً مسخَّرةً تستخدمُ فِي كل شيء وتستعملُ فِي كلِّ الأغراضِ، زيادةً على كونهِ يُجوَّعُ ويُضرَب ويُحمَّلُ مَا لَا يطيقُ بلَا سببٍ، كمَا قدْ يُكوَى بالنَّارِ وتُقطعُ أطرافهُ لأتفهِ الأسبابِ، وكانُوا يسمونهُ (الآلةُ ذاتُ الروح، والمتاعُ القائمُ بهِ الحياةُ) .
أما الرقيقُ فِي الإسلامِ فإنَّهُ يعاملُ المعاملةَ اللائقةَ بشرفِ الإنسانِ وكرامتهِ، فقدْ حرم الإسلامُ ضربهُ وقتلهُ كمَا حرم إهانتهُ وسبَّهُ، وأمرَ بالإحسانِ إليهِ، وهَا هيَ نصوصهُ ناطقةً بذلكَ:
1 - قولهُ تعالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36] .
2 - قولُ الرّسُول - صلى الله عليه وسلم - فيهمْ: "همْ إخوانكمْ وخولكُم جعلهمُ اللَّهُ تحتَ أيديكم، فمنْ كانَ أخوهُ تحتَ يدهِ فليُطعمْهُ ممَّا يأكلُ وليُلبسهُ ممَّا يلبسُ، ولَا تكلِّفوهم مَا يغلبهم فإنْ كلَّفتموهم فأعينوهم عليهِ" (¬1) .
وقولهُ - صلى الله عليه وسلم -: "منْ لطمَ مملوكَهُ أوْ ضربهُ فكفارتهُ أنْ يُعتقهُ" (¬2) .
وفوقَ هذَا دعوةُ الإسلامِ العامَّةِ إلَى تحريرِ الرقيقِ والتَّرغيب فِي ذلكَ، والحث عليهِ، ويشهدُ لهذَا الأمورُ التَّاليةُ:
1- جعلَ تحريرهُ كفَّارةً لجنايةِ القتلِ الخطإ، وكذلكَ لعدَّةِ مخالفاتٍ كالظِّهارِ والحنثِ فِي اليمينِ باللّهِ تعالَى، وانتهاكِ حرمةِ رمضانَ بالإفطارِ فيهِ.
ب- الأمر بمكاتبةِ منْ طلبَ الكتابةَ منَ الأرقَّاءِ ومساعدتهِ علَى ذلكَ بقسطٍ منَ المالِ، قالَ تعالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ
¬__________
(¬1) رواه مسلم في الإِيمان (38، 39) .
(¬2) رواه مسلم (29) كتاب الإيمان.

الصفحة 433