كتاب منهاج المسلم
يقتضِي أنْ تكونَ الوسيلةُ محصورةً فيمَا شرعَ اللّهُ وبيَّنَ رسولهُ منْ أقوالٍ طيِّبة وأعمال صالحة تفعلُ، أوْ أقوالٍ خبيثةٍ وأعمالٍ فاسدةٍ تجتنبُ وتتركُ.
3 - كونُ جاهِ ذِي الجاهِ منْ غيرِ كسبِ الإنسانِ، ولَا من عملِ يديهِ أمر يقتضى أن يتوسَّلَ بهِ إلَى اللّهِ تعالَى؛ لأن جاهَ شخصٍ مَا -ومهمَا كانَ عظياً- لَا يكونُ قربةً لشخصٍ آخرَ يتقرب بهَا إلَى اللّهِ تعالَى ويتوسلُ، اللَّهمَّ إلاَّ إذَا كانَ قدْ عملَ بجوارحهِ أوْ مالهِ علَى إيجادِ جاهِ صاحبِ الجاهِ، فعندَ ذلكَ لهُ أنْ يسألَ اللّهَ بهِ؛ لأنَّهُ أصبحَ منْ كسبهِ وعملِ يديهِ إنْ كانَ قدْ عملَ ذلكَ ابتداءً لوجهِ اللّهِ تعالَى، وابتغاءِ مرضاتهِ.
الفصلُ الخامس عشر
في أولياءِ اللّهِ تعالي وكرماتهم- وأولياء الشيطان وضلالاتهم
1- أولياءُ الله تعالَى:
يؤمنُ المسلمُ بأنَّ للّهِ تعالَى منْ عبادهِ أولياء استخلصهم لعبادتهِ، واستعملهم فيِ طاعتهِ وشرَّفهمْ بمحبَّتهِ، وأنالهم منْ كرامتهِ، فهوَ وليهم يحبّهم ويقربهم، وهم أولياؤهُ يحبُّونهُ ويعظِّمونهُ، يأتمرونَ بأمرهِ، وبهِ يأمرونَ، وينتهونَ بنهيهِ، وبهِ ينهونَ، يحبّونَ بحبهِ، وببغضهِ يبغضونَ، إذَا سألوهُ أعطاهم، وإذَا استعانوهُ أعانهم، وإذَا استعاذُوا بهِ أعاذهم، وأنَّهم هم أهلُ الإيمانِ والتَّقوَى، والكرامةِ والبشرَى فيِ الدنيَا وفي الأخرَى، وأنَّ كلَّ مؤمنٍ تقي هوَ للّهِ وليٌ، غيرَ أنهمْ يتفاوتونَ فيِ درجاتهم بحسبِ تقواهَم وإيمانهم، فكل منْ كانَ حظهُ منَ الإيمانِ والتَّقوَى أوفَى، كانت درجتهُ عندَ اللّهِ أعلَى، وكانت كرامتهُ أوفرَ.. فساداتُ الأوالياءُ همْ المرسلونَ والأنبياءِ، ومنْ بعدهم المؤمنونَ، وأن مَا يجريهِ اللّهُ علَى أيديهم منْ كراماتٍ كتكثيرِ القليلِ منَ الطَّعامِ، أوْ إبراءِ الأوجاع والأسقامِ، أوْ خوضِ البحارِ، أوْ عدمِ الاحتراقِ بالنَّارِ ومَا إليهِ، هوَ من جنسِ المعجزاتِ غيرَ أَنَّ المعجزةَ تكونُ مقرونةً بالتّحدِي (¬1) والكرامةُ عاريةٌ عنهُ، غيرَ مرتبط بهِ. وأنَّ منْ أعظمِ الكراماتِ الاستقامةَ علَى الطَّاعاتِ بفعلِ المأموراتِ الشَّرعيَّةِ، واجتنابِ المحرَّماتِ والمنهياتِ.
¬__________
(¬1) التحدي: كأَن يقولَ الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: أرأيتم إذَا جئتكم بكذَا وكذَا أتصدقوني؟ وإلا فسوفَ يعذبكمْ الله علَى عدمِ إيمانكهمْ بعدَ ظهورِ المعجزةِ لكمْ.
الصفحة 44