كتاب منهاج المسلم

الصَّلاةُ والسَّلامُ: "كانتِ امرأةٌ ترضعُ ولدهَا فرأتْ رجلًا علَى فرسٍ فارهٍ، فقالتْ: اللَّهمَّ اجعلْ ولدِي مثلَ هذَا، فالتفتَ إليهِ الطِّفلُ وهوَ يرضعُ وقالَ: اللَّهمَّ لَا تجعلني مثلهُ" (¬1) . فنطقُ الرضيعِ كرامةٌ للولدِ والوالد.. وفيِ قولهِ في جريج العابدِ وأمهِ، إذْ قالتْ أمُّهُ: "اللَّهمَّ لَا تمتهُ حتَّى تريهُ وجوهَ المومساتِ". فاستجابَ الَلّهُ لهَا كرامةً منهُ تعالَى لهَا، وقالَ ولدهَا جريجٌ لما اتَّهموهُ بأنَّ ولدَ البغي منهُ قالَ للولدِ الرضيعِ: منْ أبوكَ؟. فقالَ: راعِي الغنمِ (¬2) . فنطقَ الرَّضيعِ كرامة لجريجٍ العابدِ. وقولهِ - صلى الله عليه وسلم - فيِ أصحابِ الغارِ الثَّلاثةِ الَّذينَ انطبقتْ عليهمُ الصَّخرةُ فدعَوُا اللّهَ وتوسَّلُوا إليهِ بصالحِ أعمالهم، فاستجابَ اللّهُ لهم وفرجهَا عنهم حتى خرجُوا سالمينَ كرامةً لهم. وفي قولهِ فيِ حديثِ الراهبِ والغلامِ إذْ جاءَ فيهِ: أنَّ الغلامَ رمَى الدَّابَّةَ الَّتي كانتْ قدْ منعت الَجماهيرَ منَ المرورِ، رماهَا بحجرٍ فماتتْ ومرَّ النَّاسَ، فكانتْ كرامةً للغلامِ، كمَا أنَّ الملِكَ حاولَ قتلَ الغلامِ بشتَّى الوسائلِ فلم يفلحْ حتَّى رماهُ منْ جبلٍ شاهقٍ ولم يمتْ، وقذفهُ فيَ البحرِ فخرجَ منهُ يمشِي ولم يمتْ، فكانَ ذلكَ كرامةً للغلام المؤمن الصَّالحِ (¬3) .
3 - مَا رواهُ آلافُ العلماءِ وشاهدوهُ (¬4) منْ أولياءَ وكراماتٍ لهم تفوقُ الحصرَ. ومن ذلكَ مَا رُوي أنَّ الملائكةَ كانتْ تسلِّمُ علَى عمرانَ بنَ حصينٍ - رضي الله عنه -، وأنَ سلمانَ الفارسي وأبَا الدَّرداءِ - رضي الله عنه - كانَا يأكلانَ فيِ صحفة فسبَّحتِ الصَّحفةُ أوْ الطَّعامُ فيهَا، وأنَّ خبيبًا - رضي الله عنه - كانَ أسيرًا عندَ المشركينَ بمكَّةَ فكانَ يؤتَى بعنبٍ يأكلهُ، وليسَ بمكَةَ منْ عنبٍ، وأنَّ البراءَ بنَ عازبٍ - رضي الله عنه - كان إذَا أقسمَ علَى اللّهِ في شيءٍ استجابَ اللّهُ لهُ حتَّى كانَ يومُ القادسيَّةِ أقسمِ علَى اللّهِ أنْ يمكنَ المسلمينَ منْ رقابِ الَمشركينَ وأنْ يكونَ أوَّلَ شهيد! في المعركةِ فكانَ كمَا طلبَ، وأنَّ عمرَ ابنَ الخطابَ - رضي الله عنه - يخطبُ علَى منبرِ رسولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - باَلمدينةِ فإذَا بهِ يقولُ: يَا ساريةَ الجبلَ! يَا ساريةَ الجبلَ! يوجِّهُ قائدَ معركة يقالُ لهُ: "ساريةُ"، فسمعَ ساريةُ صوتهُ وانحازَ بالجيشِ إلَى الجبلِ فكانَ فيِ ذلكَ نصرهم، وانهزامُ أعدائهم منَ المشركينَ. ورجعَ ساريةُ فأخبرَ عمرَ والصَّحابةَ بمَا سمعَ منْ صوتِ عمرَ - رضي الله عنه -، وأنَّ العلاءَ بنَ الحضرمِي - رضي الله عنه - كانَ يقولُ فيِ دعائهِ: يَا عليمُ يَا حكيمُ، يَا عليّ يَا عظيمُ! فيستجابُ لهُ حتَّى أنَّهُ خاضَ البحرَ بسريَّةٍ معهُ فلم تبتلَّ سروجُ خيولهم، وأنَّ الحسنَ البصرِي دعَا اللّهَ علَى رجلٍ كانَ يؤذيهِ فخر ميتًا فيِ الحالِ، وأنَ
¬__________
(¬1) رواه البخاري (4/ 201) ومسلم (4/ 1976) ومسند أحمد (2/ 301، 307، 308) .
(¬2) سبق تخريجه.
(¬3) رواه مسلم كتاب الزهد (73) .
(¬4) أغلب هذهِ الكراماتِ فيِ الصحيحِ والسنن الصحيحةِ والآثارِ المنقولةِ المتواترةِ.

الصفحة 46