كتاب منهاج المسلم

2 - إخبارُ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - بذلكَ فيِ قولهِ لماَّ رأَى نجماً قدْ رُمي بهِ فاستنارَ قالَ مخاطبًا أصحابهُ: "مَا كنتم تقولونَ لمثلِ هذهِ فيِ الجاهليةِ؟ " قالُوا: كنَّا نقولُ يموت عظيمٌ أوْ يولدُ عظيمٌ، فقالَ: "إَّنهُ لَا يرمَى بهِ لموتِ أحدٍ، ولَا لحياتهِ، ولكنْ ربُّنَا تباركَ وتعالَى إذَا قضَى أمرًا سبحَ حملةُ العرشِ ثم سبَّحَ أهلُ السَّماءِ الَّذينَ يلونهم، ثمَّ الَّذينَ يلونهم حتَّى يبلغَ التَّسبيحُ أهلَ هذهِ السَّماءِ، ثم يسألُ أهلُ السماءِ حملةَ العرش: ماذَا قالَ ربنَا؟ فيخبروهم، ثمَّ يستخبر أهلُ كل سماء حتى يبلغَ الخبرُ أهلَ السَّماءِ الدنيَا، وتخطفُ الشَّياطينُ السمعَ فيُرمونَ، فيقذفونهُ إلَى أوليائهم فمَا جاؤُوا بهِ علَى وجههِ فهوَ حق ولكنهم يزيدونَ" (¬1) . وفيِ قولهِ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ لما سئلَ عنْ الكهَّانِ فقالَ: "ليسُوا بشيءٍ" فقالُوا: َ نعم إنَّهم يحدِّثوننَا أحيانًا بشيءٍ فيكونُ حقاً فقالَ: "تلكَ الكلمةُ منَ الحق يخطِفهَا الجنُّ فَيُقِرها فيِ أذنِ وليّهِ فيجعلونَ معهَا مائةَ كذبةٍ" (¬2) . وفيِ قولهِ: "مَا منكم منْ أحدٍ إلاَّ وقدْ وكِّلَ بهِ قرينهُ" (¬3) . وفي قولهِ: "إنَّ الشيطانَ يجرِي منِ ابنِ آدمَ مجرَى الدَّمِ منَ العروقِ فضيقُوا عليهِ مجاريَه بالصّومِ" (¬4) .
3 - مَا رآهُ وشاهدهُ مئاتُ ألوفِ البشرِ منْ أحوالٍ شيطانيَّةٍ غريبةٍ فيِ كلِّ زمانٍ ومكانِ تقع لأولياءِ الشَّيطان، فمنهم من كانَ يأتيه الشَّيطانُ بأنواعٍ منَ الأطعمةِ والأشربةِ، ومنهمْ مَن يقضِي لهُ الشَّيطانُ حاجاتهِ، ومنهم منْ يكلِّمهُ بالغيبِ ويطلعهُ علَى بعضِ بواطنِ الأمور وخفاياهَا، ومنهم منْ يمنعُ نفوذَ السلاحِ إليهِ، ومنهم منْ يأتيهِ الشَيطانُ فيِ صورةِ رجل صالحٍ عندمَا يستغيثُ بذلكَ الصالح لتغريرهِ وتضليلهِ وحملهِ علَى الشركِ باللهِ ومعاصيهِ، ومنهم منْ قدْ يحملهُ إلَى بلدٍ بعيدٍ أوْ يَأتيهِ بأشخاص أو حاجات منْ أمكنَ بعيدةٍ.. إلَى غيرِ ذلكَ منَ الأعمالِ التي تقوَى علَى فعلهَا الشَّياطينُ ومردةُ الجانِّ وخبثاؤهم.
وتحصلُ هذهِ الأحوالُ الشَّيطانيَّةُ نتيجةً لخبثِ روحِ الآدمي بمَا يتعاطَى منْ ضروبِ الشر والفسادِ والكفرِ والمعاصِي البعيدةِ عنْ كلِّ حق وخيرٍ، وإيمان وتقوَى وصلاح، حتَى يبلغَ الآدميُ درجةً منْ خبثِ النَفسِ وشرهَا يتَّحدُ فيهَا معَ أرواحِ الشَّياطينِ المطوعةِ علَى الخبثِ والشر، وعندئذ تتم الولايةُ بينهُ وبينَ الشَّياطينِ فيوحِي بعضهم إلَى بعض، ويخدمُ بعضهمْ بعضًا كلٌّ بمَا يقدرُ عليهِ؛ ولذَا لماَّ يقالُ لهم يومَ القيامةِ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ} ، يقول أولياؤهم من الإنس: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعام: 138] .
¬__________
(¬1) رواه الترمذي في صحيحه (3224) . وورد كذلك في مسلم وأحمد.
(¬2) رواه البخاري (8/ 58) ورواه مسلم في كتاب السلام.
(¬3) رواه مسلم (69) كتاب صفات المنافقين.
(¬4) ورد في البخاري (3 / 64) ، (4/ 100) وورد في مسلم بلفظ آخر: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدم ... ".

الصفحة 48