كتاب منهاج المسلم
وأمَّا الفرقُ بينَ كرامةِ أولياءِ اللّهِ الربانيةِ وبينَ الأحوالِ الشَّيطانيةِ، فإنَّهُ يظهر فيِ سلوكِ العبدِ وحالهِ، فإنْ كانَ منْ ذوِي الإيمانِ والتَّقوَى المتمسكينَ بشريعةِ اللّهِ ظاهرًا وباطنًا فمَا يجرِي علَى يديهِ منْ خارقةٍ هوَ كرامةٌ منَ اللّهِ تعالَى لهُ، وإنْ كانَ مِن ذوِي الخبثِ والشر والبعدِ عنِ التَّقوَى المنغمسينَ فيِ ضروبِ المعاصِي المتوغِّلينَ فيِ الكفرِ والفسادِ، فمَا يجرِي علَى يديهِ منْ خارقةٍ إنَّمَا هوَ منْ جنسِ الاستدراجِ أوْ منْ خدمةِ أوليائهِ منَ الشَّياطينِ لهُ، ومساعداتهِم إياهُ.
الفصلُ السَّادسَ عشرَ
الإيمانُ بوجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنّهيِ عنِ المنكرِ وآدابهِ
1 - فِي وجوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المنكرِ:
يؤمنُ المسلمُ بواجبِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهْي عنِ المنكرِ علَى كل مسلمٍ مكلَّف قادرٍ علمَ بالمعروفِ ورآهُ متروكًا، أوْ علمَ بالمنكرِ ورآهُ مرتكبًا، وقدرَ علَى الأمرِ أوِ التَّغييرِ بيدهِ أوْ لسانهِ.
وأنَّهُ منْ أعظمِ الواجباتِ الدِّينيةِ بعدَ الإيمانِ باللّهِ تعالَى، إذْ ذكرهُ اللّهُ تعالَى فيِ كتابهِ العزيزِ مقرونا بالإيمانِ بهِ، قالَ تعالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. وذلكَ للأدلَّةِ النَّقليةِ السَّمعيةِ والعقليةِ المنطقيَّةِ الآتيةِ:
الأدلةُ النقليةُ:
1 - {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104].
2 - إخبارهِ تعالَى عنْ أهلِ نصرتهِ وولايتهِ بأنهم يأمرونَ بالمعروفِ وينهونَ عنِ المنكرِ في قولهِ: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41] {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: 71]. وفيِ قوله: سبحانهُ فيمَا أخبرَ بهِ عن وليهِ لقمانَ - صلى الله عليه وسلم - وهوَ يعظُ ابنهُ: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]. وفيِ قولهِ تعالَى فيمَا نعاهُ علَى بني إسرائيلَ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى
الصفحة 49