كتاب منهاج المسلم

فصولِ بابي العباداتِ والمعاملاتِ موادُّ تكثرُ أحيانًا وتقلُّ.
فالبابُ الأوَّل منَ الكتابِ فيِ العقيدةِ، والثّاني فيِ الآدابِ، والثَّالثُ في الأخلاقِ، والرَّابعُ فيِ العباداتِ، والخامسُ فيِ المعاملاتِ.. وبهذَا كانَ جامعًا لأصولِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ وفروعهَا. وصحَّ لي أنْ أسمِّيهُ "منهاجُ المسلمِ"، وأنْ أدعوَ الإخوةَ المسلمينَ إلَى الأخذِ بهِ، والعملِ بمَا فيهِ.
وقدْ سلكتُ -بتوفيقِ اللّهِ- في وضعهِ مسلكًا حسنًا -إنْ شاءَ اللّهُ تعالَى- ففِي بابِ الاعتقاداتِ لم أخرجْ عنْ عقيدةِ السَّلفِ لإجماعِ المسلمينَ على سلامتهَا، ونجاةِ صاحبهَا؛ لأنهَا عقيدةُ الرَسولِ، وعقيدةُ أصحابهِ والتَّابعينَ لهم منْ بعدهِ، وعقيدةُ الإسلامِ الفطريَّةُ، والملّةُ الحنيفيَّةُ الَّتي بعث اللّهُ لهَا الرُّسُل، وأنزلَ فيهَا الكتبَ.
وفي بابِ الفقهِ -العباداتِ والمعاملاتِ- لم آلُ جهدًا في تحري الأصوب واختيارِ الأصحِّ ممَّا دونهُ الَأئمَّةُ الأعلامُ، كأبي حنيفةَ، ومالكٍ والشَّافعي، وأحمدَ رحمهمُ اللّهُ تعالَى أجمعينَ، ممَّا لم يوجدْ لهُ نصٌّ صريحٌ أوْ دليلٌ ظاهرٌ منْ كتابِ اللّهِ أوْ سنَّةِ رسولهِ -صلى الله عليه وسلم- ولهذَا أصبحتُ لا يخالجني أدنَى ريبٍ، ولَا يساورني أقلُّ شكٍّ فيِ أنْ منْ عملَ منَ المسلمينَ بهذَا المنهاجِ -سواءً فيِ بابِ العقيدةِ أوْ الفقهِ أوِ الآدابِ، والأخلاقِ- هوَ عاملٌ بشريعةِ اللّهِ تباركَ وتعالَى، وهديِ نبيهِ - صلى الله عليه وسلم -.
ولا بأسَ أنَ يعلمَ الإخوةُ المسلمونَ أنَّهُ لوْ شئتُ -بإذنِ اللّهِ تعالى- لدوَّنتُ المسائلَ الفقهيَّةَ في هذَا المنهاجِ على مذهبِ إمامٍ خاصٍّ، ولكنتُ بذلكَ أرحتُ نفسِي منْ عناءِ مراجعةِ المصادرِ المَتعدِّدةِ، وتصحيحِ الأقوالِ المختلفةِ، والآراءِ المتباينةِ أحيانًا والمتَّفقةِ أخرَى، كمَا هوَ معروفٌ لدَى العالمينَ، لكنْ رغبتي الملحّةُ فيِ جمعِ الصَّالحينَ منْ إخواننَا المسلمينَ في طريقٍ واحدٍ تتكتَّلُ فيهِ قواهم، وتتَّحدُ أفكارهم، وتتلاقَى أرواحهم، وتتجاوبَ عواطفهَم، وتتفاعلُ أحاسيسهم ومشاعرهمَ، هيَ الَّتي جعلتني أركبُ هذَا المركبَ الصَّعبَ، وأتحمَّلُ هذَا العناءَ الأكبرَ، والحمدُ للّهِ علَى نيلِ المرادِ وبلوغِ القصدِ.
هذَا، وإنِّي لأشكُو إلَى ربِّي كلَّ عبدٍ يقولُ أنِّي فيِ صنيعِي هذَا قدْ أحدثتُ حدثَ شر، أوْ أتيتُ بمذهب غيرِ مذهبِ المسلمينَ، وأستعديهِ سبحانهُ وتعالَى علَى كلِّ منْ يحاولُ صرفَ الصالحينَ منْ هذهِ الأمةِ عنْ هذَا الطريقِ الَّذِي دعوتُ، والمنهاجِ الَّذِي وضعتُ إذْ إنَّني -والَّذِي لَا إلهَ غيرهُ- لم أخرجْ عنْ قصدِ أوْ غيرِ قصدٍ فيمَا أعلمُ عنْ كتابِ اللّهِ وسنَّةِ - صلى الله عليه وسلم -

الصفحة 5