كتاب منهاج المسلم

ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: 78] وفيِ قولهِ تعالَى فيمَا ذكرهُ عنْ بني إسرائيلَ منْ أنّهُ تعالَى نجَّى الاَمرينَ بالمعروفِ والنَّاهينَ عنِ المنكرِ وأهلكَ التَّاركينَ لذلكَ: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:165].
3 - أمرُ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - بهِ في قولهِ: "منْ رأَى منكم منكرًا فليغيّرهُ بيدهِ فإنْ لم يستطعْ فبلسانهِ فإنْ لم يستطعْ فبقلبهِ وذلَكَ أضعفُ الإيمانُ" (¬1). وفيِ قولهِ: "لتأمرنَّ بالمعروفِ لتنهونّ عنِ المنكرِ أوْ ليوشكنَّ اللهُ أنْ يبعثَ عليكم عقابًا منهُ، ثمَّ تدعونهُ فلَا يستجيبُ لكمْ" (¬2).
4 - إخبارهُ - صلى الله عليه وسلم - فيِ قولهِ: "مَا منْ قومٍ عملُوا بالمعاصِي وفيهم منْ يقدرُ أنْ ينكِر عليهمْ فلمْ يفعلُوا، إلاَّ يوشكُ أنْ يعمّهُم اللهُ بعذابٍ منْ عندهِ" (¬3). وفي قولهِ لأبي ثعلبةَ الخشني لماَّ سألهُ عنْ تفسيرِ قولهِ تعالَى: {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]. فقال: "يا ثعلبة، مُر بالمعروفِ وانهَ عنِ المنكرِ، فإذا رأيتَ شُحاً مطاعاً وهوًى متَّبعًا ودنيا مؤثرةً وإعجابَ كلِّ ذِي رأْي برأيهِ فعليكَ بنفسكَ، ودعْ عنكَ العوامَّ، إنَّ منْ ورائكم فتنًا كقطعِ اللٌيلِ المظلمِ، للمتمسكِ فيهَا بمثلِ الَّذِي أنتُم عليهِ أجر خمسينَ منكم" قيلَ: بلْ منهم يَا رسولَ اللهِ. قالَ: "لَا بلْ منكم لأنّكمْ تجدونَ علَى الخيرِ أعوانًا، ولَا يجدونَ عليهِ أعوانًا" (¬4). وقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا منْ نبي بعثهُ اللهُ فيِ أمَّةٍ قبلي إلاَّ كانَ لهُ منْ أمَّتهِ حوارِيُّونَ وأصحابٌ يأخذونَ بسنَّتهِ، ويقتدونَ بأمرهِ، ثمٌ إنّهم تخلفُ منْ بعدهم خلوفٌ يقولونَ مَا لَا يفعلونَ، ويفعلونَ مَا لَا يؤمرونَ، فمنْ جاهدهم ييدهِ فهوْ مؤمنٌ، ومنْ جاهدهم بلسانهَ فهؤ مؤمنٌ، ومنْ جاهدهم بقلبهِ فهوَ مؤمنٌ، وليسَ وراءَ ذلكَ منَ الإيمانِ حبةُ خردلٍ" (¬5). وقولهِ عليهِ الصَّلاةُ والسّلامُ عندمَا سئلَ عنْ أفضلَ الجهادِ، فقالَ: "كلمةُ حق عندَ سلطانٍ جائرٍ" (¬6).

الأدلةُ العقليَّةُ:
1 - لقدْ ثبت بالتجربةِ والمشاهدةِ أنَّ المرضَ إذَا أهملَ ولم يعالجْ استشرَى فيِ الجسمِ، وعسرَ علاجهُ بعدَ تمكنهِ منَ الجسمِ واستشرائهِ فيهِ، وكذلكَ المنكرُ إذَا تركَ فلم يغير فإنَّهُ لَا يلبثُ أنْ يألفهُ النَّاسُ ويفعلهُ
¬__________
(¬1) رواه مسلم (69).
(¬2) رواه أبو داود (17) كتاب الملاحم. ورواه الإمام أحمد (5/ 391).
(¬3) إتحاف السادة المتقين (7/ 6).
(¬4) رواه الحاكم (4/ 322) وإتحاف السادة المتقين (7/ 6).
(¬5) رواه مسلم (80) كتاب الإيمان.
(¬6) رواه ابن ماجه (حديث 4012). ورواه النسائي (7/ 161). ورواه الإمام أحمد (4/ 315).

الصفحة 50