كتاب منهاج المسلم

كبيرهم وصغيرهم، وعندئذٍ يصبحُ منْ غيرِ السَّهلِ تغييرهُ أوْ إزالتهُ، ويومهَا يستوجبُ فاعلوهُ العقابَ منَ اللّهِ، العقابَ الَّذِي لَا يمكنُ أنْ يتخلّف بحالٍ، إذْ إنَّهُ جار علَى سننِ اللّهِ تعالَى الَّتى لَا تتبدَّلُ ولَا تتغيرُ: {سُنَةَ اَللَّهِ} [الأحزاب: 62] {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43] .
2 - حصلَ بالمشاهدةِ أنَّ المنزلَ إذَا أهملَ، ولم ينظَّف، ولم تبعدْ منهُ النِّفاياتُ والأوساخُ فترةً منَ الزَّمانِ يصبحُ غيرَ صالح للسكنِ، إذْ تتعفَّنُ ريحهُ، ويتسمَّمُ هواؤهُ، وتنتشرُ فيهِ الجراثيمُ والأوبئةُ لطولِ مَا تراكمتْ فيهِ الأوساخ، وكثرةِ مَا تجمَّعتْ القاذوراتُ. وكذلكَ الجماعةُ منَ المؤمنينَ إذَا أهملَ فيهمُ المنكرُ فلَا يغيرُ، والمعروفُ فلم يؤمر بهِ لَا يلبثونَ أنْ يصبحُوا خبثاءَ الأرواحِ شريرِي النّفوسِ، لَا يعرفونَ معروفاً، ولَا ينكرونَ منكرًا، ويومئذٍ يصبحونَ غيرَ صالحينَ للحياةِ، فيهلكهمُ اللّهُ بمَا شاءَ منْ أسباب ووسائطَ، وإنَّ بطشَ ربِّكَ لشديدٌ، واللّهُ عزيزٌ ذو انتقامٍ.
3 - عرفَ بالملاحظةِ أن النَّفسَ البشريةَ تعتادُ القبيحَ فيحسنُ عندهَا وتألفُ الشَر فيصبحُ طبيعةً لهَا، فذلكَ شأنُ الأمرِ بالمعروفَ والنَّهيِ عنِ المنكرِ، فإنَّ المعروفَ إذَا تركَ ولم يؤمرْ ساعةَ تركه لَا يلبثُ النَّاسُ أنْ يعتادُوا تركهُ، ويصبحُ فعلُه عندهم منَ المنكرِ. وكذلكَ المنكرُ إذَا لمْ يبادرُ إلَي تغييرهِ وإزالتهِ لم يمض يسيرٌ منَ الزمنِ حتَّى يكثرَ وينتشرَ، ثمَّ يُعتادَ ويؤلفَ، ثمَّ يصبحَ في نظرِ مرتكبيهِ غيرَ منكر. بلْ يرونهُ هوَ المعروفَ بعينهِ، وهذَا هوَ انطماسُ البصيرةِ والمسخُ اَلفكري -والعياذُ باللّهِ تعالَى- منْ أجلِ هذَا أمرَ اللّهُ ورسولهُ بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عنِ المنكرِ، وأوجباهُ فريضةً علَي المسلمينَ إبقاءً لهم علَي طهرهم وصلاحهم ومحافظةً لهم علَي شرفِ مكانتهمْ بينَ الأممِ والشعوبِ.
ب- آدابُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ:
1- أنْ يكونَ عالمًا بحقيقةِ مَا يأمر بهِ منْ أنَّهُ معروفٌ في الشَّرعِ، وأنَّهُ قدْ تركَ بالفعلِ، كمَا يكونَ عالماً بحقيقةِ المنكرِ الَّذِي ينهَى عنهُ ويريدُ تغييرهُ، وَأنْ يكونَ قدِ ارتكبَ حقيقةً، وأنَّهُ ممّا ينكرُ الشَّرعُ منَ المعاصِي والمحرَّماتِ.
2 - أنْ يكونَ ورعًا لَا يأتي الَّذِي ينهَى عنهُ، ولَا يتركُ الَّذِي يأمرُ بهِ لقولهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) } [الصف: 2 - 3] وقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) } [البقرة: 44] .

3 - أنْ يكونَ حَسنَ الخلقِ حليمًا يأمر بالرفقِ، وينهَى بالليِن، لَا يجدُ في نفسهِ إذَا نالهُ سوءٌ ممَّنْ نهاهُ، ولَا يغضبُ إذَا لحقهُ أذىً ممنْ أمرهُ، بلْ يصبرُ ويعفُو ويصفحُ لقَولهِ تعالَى: (وَأْمُر

الصفحة 51