كتاب منهاج المسلم

أوِ الإشارةُ، أوِ الإيماءُ فيهمَا.
4 - يرَى أنَّ الأخذَ بمَا دوَّنهُ أحدُ هؤلاءِ الأعلامِ منْ مسائل الفقهِ والدينِ جائزٌ، وأنَّ العملَ بهِ عملٌ بشريعةِ اللّهِ عز وجل مَا لم يعارضْ بنص صريحٍ صحيحٍ منْ كتابِ اللّهِ أوْ سنَّةِ رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - فلَا يُتركُ قولُ اللهِ، أوْ قولُ رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - لقولِ أحدٍ منْ خلقهِ كائنًا منْ كانَ، وذلكَ لقولهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] . وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] . وقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ عملَ عملًا ليسَ عليهِ أمرنَا فهوَ رد" (¬1) . وقولهِ: "والذي نفسي بيده لَا يؤمنُ أحدكمَ حتَّى يكونَ هواهُ تبعَاً لماَ جئتُ بهِ" (¬2) .
5 - يرَى أنَّهمْ بشرٌ يصيبونَ ويخطئونَ، فقدْ يخطئُ أحدهمُ الحقَّ فيِ مسألةٍ مَا منَ المسائلِ، لَا عنْ قصدٍ وعمدٍ -حاشاهم- ولكنْ عنْ غفلةٍ أوْ سهوٍ، أوْ لنسيانٍ، أوْ عدمِ إحاطةٍ، فلهذَا.. المسلمُ لَا يتعصبُ لرأيِ أحدهم دونَ آخرَ، بلْ لهُ أنْ يأخذَ عنْ أيِّ واحدٍ منهم، ولَا يرد قولهم إلاَّ لقولِ اللّهِ، أوْ قولِ رسولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
6 - يعذرهمْا فيمَا اختلفوا فيهِ منْ بعضِ مسائِل الدين الفرعيهِ، ويرَى أن اختلافهمْ لم يكن جهلا، منهم، ولَا عنْ تعصبٍ لآرائهم، وإنَّمَا كانَ: إمَّا أنَّ الخالف لم يبلغهُ الحديثُ، أوْ رأى نسخَ هذَا الحديثِ الَّذِي لم يأخذْ بهِ، أؤ عارضهُ حديث آخرَ بلغهُ فرجَّحهُ عليهِ، أوْ فهمَ منهُ مَا لم يفهمهُ غيرهُ، إذْ منَ الجائزِ أنْ تختلف الأفهامُ فيِ مدلولِ اللَّفظِ فيحملهُ كلٌّ علَى فهمهِ الخاص، ومثالُ هذَا مَا فهمَه الإمامُ الشَّافعي رحمه الله منْ نقضِ الوضوءِ بمس المرأةَ مطلقًا، فهمًا منْ قولىَ تعالَى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] . فقدْ فهمَ منْ {أَو لَامسْتُمُ} : المسَّ، ولم يرَ غيرهُ فقالَ بوجوبِ الوضوءِ لمجردِ مس المرأةِ، وفهمَ غيرهُ أنَ المرادَ منَ الملامسةِ فيِ الآيةِ الجماعُ فلم يوجبُوا الوضوءَ بمجردِ المس بلْ لَا بدَّ منْ قدرٍ زائدٍ كالقصدِ أوْ وجودِ اللذةِ.
وقدْ يقولُ قائلٌ: لمَ لَا يتنازلُ الشَّافعي عنْ فهمهِ ليوافقَ باقِي الأئمَّةِ، ويقطعَ دابرَ الخلافَ عنِ الأمَةِ؟.
الجوابُ: أنَّهُ لَا يجوزُ لهُ أبدًا أنْ يفهمَ عنْ رِّبهِ شيئًا لَا يخالجهُ فيهِ أدنَى ريبٍ، ثمَّ يتركهُ لمجرَّدِ
¬__________
(¬1) رواه البخاري (3/ 91) ، (9/ 132) . ورواه مسلم (18) كتاب الأقضية.
(¬2) رواه النووي وقال فيه حسن صحيح.

الصفحة 56