كتاب منهاج المسلم
رأيٍ أوْ فهمِ إمامٍ آخرَ، فيصبحَ متَّبعًا لقولِ النَّاسِ تاركًا لقولِ اللّهِ، وهوَ منَ أعظمِ الذُّنوبِ عندَ اللّهِ سبحانه وتعالَى.
نعم.. لو أنّ فهمهُ منْ النَّصِّ عارضهُ نصٌّ صريحٌ منْ كتاب أوْ سنَّةٍ لوجبَ عليهِ التَّمسكُ بدلالةِ النَّصِّ الظّاهرةِ، ويتركُ مَا فهمهُ منْ ذلكَ اللَّفظِ الَّذِي دلالتهُ ليستْ نصا صريحا ولا ظاهرًا؛ إذْ لو كانتْ دلالتهُ قطعيةٌ لماَ اختلفَ فيهَا اثنانِ من عامّةِ الأمَّةِ فضلاً عنِ الأئمَّةِ.
وأما ولاةُ أمورِ المسلمينَ فإنهُ:
1 - يرَى وجوبَ طاعتهمْ القولهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] . ولقولِ الرسولِ- صلى الله عليه وسلم -: "اسمعُوا وأطيعُوا وإنْ تأمَّرَ عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسهُ زبيبة" (¬1) . وقولهِ: "منْ أطاعني فقدْ أطاعَ اللّهَ، ومنْ عصاني فقدَ عصَى اللهَ، ومنْ أطاعَ أميرِي فقدْ أطاعني، ومنْ عصَى أميرِي فقدْ عصاني" (¬2) .
ولكنْ لا يرَى طاعتهم فيِ معصيةِ اللّهِ عز وجل؛ لأن طاعةَ اللّهِ مقدَّمةٌ علَى طاعتهم فيِ قولهِ تعالَى: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] . ولأنَّ الرَّسولَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: "إنما الطاعةُ فيِ المعروفِ" (¬3) . وقالَ أيضًا: "لا طاعةَ لمخلوق في معصيةِ الخالقِ" (¬4) . وقولهِ: "لا طاعةَ فيِ معصية اللهِ" (¬5) . وقالَ أيضاً عليه الصلاة والسلام: "السمع والطَّاعةُ علَى المرءِ المسلِم فيمَا أحبَّ وكرهَ مَا لم يؤمر بمعصية، فإذَا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سمعَ ولا طاعةَ" (¬6) .
2 - يرَى حرمةَ الخروجِ عليهم، أوْ إعلانِ معصيتهمْ لماَ في ذلكَ منْ شقِّ عصَا الطَّاعةِ علَى سلطانِ المسلمينَ، ولقولِ الرسولِ- صلى الله عليه وسلم -: "منْ كرِه منْ أميرهَ شيئًا فليصبر؛ فإنّهُ منْ خرجَ منَ السلطان شبرًا ماتَ ميتةً جاهليّةً" (¬7) . وقولهِ: "منْ أهانَ السلطان أهانهُ اللَّهُ" (¬8) .
3 - أنْ يدعوَ لهم بالصَّلاحِ والسَّدادِ والتوفيقِ والعصمةِ منَ الشَّر ومنَ الوقوعِ فيِ الخطأِ؛ إذْ صلاحُ الأمَّةِ في صلاحهم، وفسادهَا بفسادهم، وأنْ ينصحَ لهم فيِ غيرِ إهانةٍ وانتقاصِ كرامة، لقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الدِّينُ النّصيحةُ" قلنا: لمنْ؟ قالَ: "للّهِ ولكتابهِ، ولرسولهِ، ولأئمَّةِ
¬__________
(¬1) رواه البخاري (9/ 78) .
(¬2) رواه البخاري (9/ 77) .
(¬3) رواه البخاري (9/ 89) . ورواه مسلم (39، 40) كتاب الإِمارة.
(¬4) رواه البخاري (9/ 109) ومسلم كتاب الاٍمارة (9) .
(¬5) رواه الاٍمام أحمد (1/ 131، 409) ، (5/ 66) .
(¬6) رواه البخاري (9/ 78) . وأبو داود (2626) . والترمذي (7/ 17) . والإمام أحمد (2/ 17) .
(¬7) راوه البخاري (9/ 59) . ورواه مسلم (506) كتاب الاٍمارة.
(¬8) رواه الترمذي (2224) وحسنه.
الصفحة 57