كتاب منهاج المسلم
البابُ الثَانيِ: فِي الآدابِ
الفصلُ الأوَّلُ: آدابُ النِّيَّةِ
يؤمنُ المسلمُ بخطرِ شأنِ النِّيِّةِ، وأهمِّيتهَا لسائرِ أعمالهِ الدِّينيةِ والدُّنيويَّةِ، إذْ جميعُ الأعمالِ تتكيَّفُ بهَا، وتكونُ بحسبهَا فتقوَى وتضعفُ، وتصحُّ وتفسدُ تبعًا لهَا، وإيمانُ المسلمِ هذَا بضرورةِ النِّيَّةِ لكلِّ الأعمالِ ووجوبِ إصلاحهَا، مستمدٌّ أوَّلًا منْ قولِ اللّهِ تعالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. وقولهِ سبحانهُ: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 11]. وثانيًا منْ قولِ المصطفَى - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وَّإنمَا لكل امرئٍ مَا نوَى" (¬1). وقولهِ: "إن اللَّهَ لَا ينظرُ إلَى صوركم وأِموالكم، وإنمَا ينظرُ إلَى قلوبكم وأعمالكم" (¬2). فالنَّظرُ إلَى القلوبِ نظر إلَى النِّياتِ، إذِ النِّيةُ هيَ الباعثُ علَى العمَل والدَّافعُ إليهِ، ومنْ قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "منْ همَّ بحسنةٍ ولم يعملهَا كتبتْ لهُ حسنةٌ" (¬3). فبمجردِ الهمِّ الصالحِ كانَ العملُ صالحا يثبتُ بهِ الأجر وتحصلُ بهِ المثوبةُ وذلكَ لفضيلةِ النِّيَّةِ الصَّالحةِ، وفي قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "النَّاسُ أربعةٌ: رجلٌ آتاهُ اللَّهُ عز وجل علمًا ومالًا فهوَ يعملُ بعلمهِ فيِ مالهِ، فيقول رجلٌ: لوْ آتاني اللَّهُ تعالَى مثلَ مَا آتاهُ اللَّهُ لعملتُ كمَا عملَ، فهمَا في الأجرِ سواءٌ، ورجلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا ولم يؤتهِ علما فهوَ يخبطُ في مالهِ، فيقولُ رجلٌ: لو آتاني الَلَّهُ مثلَ مَا آتاهُ عملتُ كمَا يعملُ، فهمَا فيِ الوزرِ سواءٌ" (¬4) َ. فأثيبَ ذُو النِّيَّةِ الصَّالحةِ بثوابِ العملِ الصَّالحِ، ووُزِرَ صاحبُ النِّيةِ الفاسدةِ بوزرِ صاحبِ العملِ الفاسدِ، وكانَ مردّ هذَا إلَى النِّيةِ وحدهَا. ومن قولهِ - صلى الله عليه وسلم - وهوَ بتبوكَ-: "إنَّ بالمدينةِ أقوامًا مَا قطعنَا واديًا ولَا وطئنَا موطئًا يغيظ الكفار، ولَا أنفقنَا نفقة، ولَا أصابتنَا مخمصةٌ إلاَّ شركونَا في ذلكَ وهم بالمدينةِ" فقيلَ لهُ: كيفَ ذلكَ يَا رسولَ اللهِ؟ فقالَ: "حبسهمُ العذرُ، فشركُوا بَحسنِ النِّيَّةِ" (¬5). فحسنُ النِّيَّةِ إذًا هوَ الَّذِي جعلَ غيرَ الغازِي فيِ الأجرِ كالغازِي، وجعلَ غيرَ المجاهدِ يحصلُ علَى أجرٍ كأجرِ المجاهدِ، ومنْ قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا التقَى المسلمانِ بسيفيهمَا فالقاتلُ والمقتولُ فيِ النَّارِ" فقيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ هذَا
¬__________
(¬1) رواه البخاري (1/ 2)، (8/ 175)، (9/ 29). ورواه أبو داود (2201). ورواه الترمذي (1647). ورواه النسائي (ب 59) كتاب الطهارة.
(¬2) رواه مسلم (1987). ورواه الإمام أحمد (2/ 283، 539).
(¬3) رواه الإمام أحمد (1/ 279، 361، 411).
(¬4) رواه الترمذي كتاب الزهد (17).
(¬5) رواه البخاري كتاب الجهاد (35) وأبو داود جهاد (19).
الصفحة 59