كتاب منهاج المسلم

القاتلُ، فمَا بالُ المقتولِ؟. فقالَ: "لأنَّهُ أرادَ قتلَ (¬1) صاحبهِ" (¬2) . فسوَّتِ النيه الفاسدةُ والإرادةُ السيئةُ بينَ قاتل مستوجبٍ للنَّارِ وبينَ مقتول لولَا نيتهُ الفاسدةُ لكانَ من أهلِ الجنَّةِ، ومنْ قولهِ عليهِ الصلاة والسَّلامُ: "أيما رجلٍ أصدقَ امرأةً صداقا والله يعلمُ أنَّهُ لَا يريدُ أداءهُ إليهَا، فغرها بالله واستحلَّ فرجهَا بالباطلِ؛ لقيَ اللهَ يومَ يلقاهُ وهوَ زانٍ، وأيُّمَا رجلٍ ادَّنَ منْ رجلٍ دينا واللّهُ يعلمُ منهُ أنهُ لَا يريدُ أداءهُ إليهِ فغره باللّهِ واستحل مالهَ بالباطلِ؛ لقيَ الله عز وجل يومَ يلقاهُ وهوَ سارقٌ" (¬3) ، فبالنِّيَّةِ السيئةِ انقلبَ المباحُ حرامًا، والجائزُ ممنوعًا، ومَا كانَ خاليا منَ الحرص أصبحَ ذَا حرج.
كلُّ هذَا يؤكِّدُ مَا يعتقدهُ المسلمُ في خطرِ النِّيةِ وعظمِ شأنهَا وكبيرِ أهميَّتهَا، فلذَا هوَ يبني سائرَ أعمالهِ علَى صالحِ النِّيّاتِ، كمَاَ يبذلُ جهدهُ فيِ أنْ لَا يعملَ عملًا بدونِ نيَّةٍ، أوْ نيَّة غيرِ صالحةٍ، إذِ النِّيَّةُ روحُ العملِ وقوامهُ، صحَّتهُ منْ صحَّتهَا وفسادهُ منْ فسادِها، والعملُ بدونِ نيَّة صاحبهُ مراءٍ متكلف ممقوتٌ.
وكمَا يعتقدُ المسلمُ أنَّ النيَّةَ ركنُ (¬4) الأعمالِ وشرطُهَا، فإنهُ يرَى أنَّ النيَّةَ ليستْ مجرد لفظٍ باللِّسانِ (اللَّهم نويتُ كذَا) ولَا هيَ حديثُ نفسٍ فحسبُ، بلْ هيَ انبعاثُ القلبِ نحوَ العملِ الموافقِ لغرضٍ صحيحٍ منْ جلبِ نفع، أوْ دفعِ ضر حالاً، أوْ مآلًا، كمَا هيَ الإرادةُ المتوجِّهةُ تجاهَ الفعلِ لابتغاءِ رضَا اللّهِ، أوِ امتثالِ أمرهِ.
والمسلمُ إذْ يعتقدُ أنَّ العملَ المباحَ ينقلبُ بحسنِ النِّيَّة طاعةً ذاتَ أجرٍ ومثوبةٍ، وأن الطَّاعةَ إذَا خلتْ منْ نيِّةٍ صالحةٍ تنقلبُ معصية ذاتَ وزرٍ وعقوبةٍ؛ لَا يرَى أنَّ المعاصِي تؤثِّرُ فيهَا النِّيَّةُ الحسنةُ فتنقلبُ طاعةً، فالذِي يغتابُ شخصًا لتطييبِ خاطرِ شخصٍ آخرَ هوَ عاصٍ للّهِ تعالَى آثمٌ لا تنفعهُ نيَّتهُ الحسنةُ فيِ نظرهِ، والذِي يبني مسجدا بمالٍ حرامٍ لَا يثابُ عليهِ، والذِي يحضر حفلاتِ الرَّقصِ والمجونِ، أوْ يشترِي أوراقَ (اليانصيبِ) بنيَّةِ تشجيعِ المشاريعِ الخيريَّةِ، أوْ لفائدةِ جهادٍ ونحوهِ، هوَ عاصي للهِ تعالَى آثمٌ مأزورٌ غير مأجور، والذِي يبني القبابَ علَى قبورِ الصَّالحينَ، أو يذبحُ لهمُ الذَّبائحَ، أو ينذرُ لهم النُّذورَ بنيَّة محبةِ الصَّالحينَ هوَ عاصٍ للّهِ تعالَى آثمٌ علَى عملهِ، ولو كانتْ نيَّتهُ صالحة كمَا يراهَا؛ إذْ لَا ينقلبُ بالنِّيَّةِ الصَّالحةِ طاعةً إلاَّ ما كانَ مباحا
¬__________
(¬1) رواية البخاري في كتاب الإيمان: لأنه كان حريصا على قتل أخيه.
(¬2) رواه البخاري (1/ 15) ، (9/ 5) . ورواه مسلم (15) كتاب الفتن. ورواه النسائي (7/ 125) .
(¬3) رواه الإمام أحمد (4/ 332) . ورواه ابن ماجه (2410) مقتصرًا على الدين دون الصداق.
(¬4) النية ركن باعتبار البداية، وشرط باعتبار الاستمرار.

الصفحة 60