كتاب منهاج المسلم
اللهمَّ ارزقنَا ولايتكَ، ولَا تحرمنَا رعايتكَ، واجعلنا لديكَ منْ المقربين، يَا أللّهُ يَا ربَّ الْعَالِميَن..
***
الفصلُ الثَّالث: الأدبُ معَ كلامِ الله تعالَى -القرآنُ الكريمُ-
يؤمنُ المسلمُ بقدسيَّةِ كلامِ اللّهِ تعالَى، وشرفهِ وأفضليَّتهِ علَى سائرِ الكلامِ، وأنَّ القرآنَ الكريمَ كلامُ اللّهِ الذِي لَا يأتيهِ الباطلُ منْ بينِ يديهِ ولَا منْ خلفهِ، منْ قالَ بهِ صدقَ، ومنْ حكمَ بهِ عدلَ، وأن أهلهُ هم أهلَ اللّهِ وخاصَّتهُ، والمتمسِّكونَ بهِ ناجونَ فائزونَ، والمعرضونَ عنهُ هلكَى خاسرونَ.
ويزيدُ في إيمان المسلمِ بعظمةِ كتابِ اللّهِ عز وجل وقدسيتهِ وشرفهِ مَا وردَ فيِ فضلهِ عنِ المنزَّلِ عليهِ، والموَحى بهِ إليهِ صفوةِ الخلقِ سيدنَا محمدٍ بنِ عبد اللّهِ ورسولِ اللّهِ صلَّى اللّهُ عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلمَ، في مثلِ قولهِ: "اقرأوا القرآنَ فإنهُ يجيءُ يومَ القيامةِ شفيعًا لصاحبهِ" (¬1) .
وقولهِ: "خيركمَ منْ تعلَّمَ القرآنَ وعلمهُ" (¬2) . وقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أهلُ القرآنِ أهلُ اللهِ وخاصَّتهُ" (¬3) . وقولهِ: "إنَّ القلوبَ تصدأُ كما يصدأُ الحديدُ" فقيلَ: يَا رسولَ اللَّهِ ومَا جلاؤهَا؟ فقالَ: "تلاوةُ القرآنِ، وذكرُ الموتِ" (¬4) . وقدْ جاءَ مرةً إلَى الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - أحدُ خصومهِ الألداءُ يقولُ: يَا محمَّدُ! اقرأْ عليَّ القرآنَ، فيقرأ عليهِ الصّلاةُ والسلامُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90] . الآيةُ. ولم يفرغِ الرسولُ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ من تلاوتهَا حتى يطالبَ الخصم الألدُّ بإعادتها مدهوشًا بجلالِ لفظهَا، وقدسيةِ معانيهَا، مأخوذًا ببيانهَا، مجذوبًا بقوةِ تأثيرهَا، ولمْ يلبثْ أنْ رفعَ عقيرتهُ بتسجيلِ اعترافهِ، وتقرير شهادتهِ بقدسيةِ كلامِ اللَهِ وعظمتهِ، إذْ قالَ بالحرفِ الواحدِ: واللّهِ إنَّ لهُ لحلاوةً، وإنَّ عليهِ لطلاوةً، وإن أسفلهُ لمورقٌ، وإنَّ أعلاهُ لمثمرٌ، ومَا يقولُ هذَا بشرٌ! (¬5) .
ولهذَا كانَ المسلمُ زيادةً علَى أنهُ يحل حلالهُ ويحرمُ حرامهُ، ويلتزمُ بآدابهِ والتخلقِ بأخلاقهِ، فإنَّه يلتزمُ عندَ تلاوتهِ بالآدابِ التَّاليةِ:
1 - أنْ يقرأهُ علَى أكملِ الحالاتِ، منْ طهارةٍ، واستقبالِ القبلةِ، وجلوسٍ فيِ أدبٍ ووقارٍ.
¬__________
(¬1) رواه مسلم (252) كتاب صلاة المسافرين.
(¬2) رواه البخاري (6/ 236) .
(¬3) رواه الإمام أحمد (3/ 128) . وورد في ميزان الاعتدال (4820) .
(¬4) رواه البيهقي في الشعب بإسناد ضعيف. وورد في ميزان الاعتدال (9085) . وكنز العمال (3924) .
(¬5) الخصم الألد هو الوليد بن المغيرة، كما رواه البيهقي بإسناد جيد.
الصفحة 63