كتاب منهاج المسلم
يَوم اَلدِّين} الفاتحة، وقولهُ فيِ خطابنَا نحنُ المسلمينَ: {إِن هَذه أمتكم أمة وَاحِدَةً وًأنَاْ رَبكمْ فَاَعبُدُونِ} [الْأَنْبِيَاءُ: 92] . وفي آيةِ المؤمنونَ: {وَأَنَا ربكم فَاَتقونِ} . وقولهُ فيِ إبطالِ دعوَى وجودِ رب سواهُ، أوْ إلهٍ غيرهِ في السَّمواتِ أوْ في الأرضِ قولهُ: {لَو كانَ فيهما ألهة إِلا اَللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبحان اَللَّهِ رَب اَلعَرشِ عَمَا يَصِفُونَ} [الأنبياءُ: 22] .
2 - إخبارُ نحوٍ منْ مائةٍ وأربعةٍ وعشرينَ ألفًا منَ الأنبياءِ والمرسلينَ بوجودِ اللّهِ تعالَى وعن ربوبيتهِ للعوالمِ كلهَا، وعنْ خلقهِ تعالَى لهَا وتصرُّفهِ فيهَا وعنْ أسمائهِ وصفاتهِ، وما منهمْ منْ نبي ولَا رسولٍ إلاَّ وقدْ كلَّمهُ اللّهُ تعالَى أوْ بعثَ إليهِ رسولًا أؤ ألقَى في روعهِ (¬1) مَا يجزمُ معهُ أنَّهُ كلامُ اللّهِ ووحيهُ إليهِ.
فإخبارُ هذَا العددِ الكبيرِ منْ صفوةِ الخلقِ وخلاصةِ البشرِ يحيلُ العقلُ البشريّ تكذيبَه كمَا يحيلُ تواطؤَ (¬2) هذَا العددِ علَى الكذبِ وإخبارهم بمَا لم يعلمُوا ويتحقَّقُوا ويجزمُوا بصحتهِ ويتيقنوا، وهم منْ خيارِ البشرِ وأطهرهم نفوسًا، وأرجحهم عقولًا، وأصدقهم حديثًا.
3 - إيمانُ البلايينِ منَ البشرِ واعتقادهْم بوجودِ الرَّبِّ سبحانهُ وعبادتهمْ لهُ وطاعتهمْا إيَّاهُ، في حينِ أنَ العادةَ البشريَّةَ جاريةٌ بتصديقِ الواحدِ والاثنينِ فضلًا عنِ الجماعةِ والأمةِ والعددِ الّذِي لا يحصَى منَ النَّاسِ، معَ شاهدِ العقلِ والفطرةِ على صحَّةِ مَا آمنُوا بهِ وأخبروا عنهُ، وعبدوهُ وتقربوا إليهِ.
4 - إخبارُ الملايينِ منَ العلماءِ عنْ وجودِ اللّهِ وعنْ صفاتهِ وأسمائهِ وربوبيَّتهِ لكلِّ شيءٍ، وقدرتهِ على كل شيءٍ، وأنَهم لذلكَ عبدوه وأطاعوهُ، وأحبّوا لهُ وأبغضُوا منْ أجلهِ.
الأدلَّةُ العقليةُ:
1- وجودُ هذهِ العوالمِ المختلفةِ، والمخلوقاتِ الكثيرةِ المتنوِّعةِ يشهدُ بوجودِ خالقهَا وهوَ اللّهُ عز وجل؛ إذْ ليسَ هناكَ فيِ الوجودِ منِ ادَّعَى خلقَ هذهِ العوالمِ وإيجادهَا سواهُ. كمَا أنَّ العقلَ البشرِي يحيل وجودَ شيءٍ بلا موجدٍ، بلْ إنَّهُ يحيل وجودَ أبسطِ شيءٍ بلا موجدٍ، وذلكَ كطعامٍ بلَا معالجٍ لطبخهِ أوْ فراش علَى الأرضِ بلا فارش لهُ فيهَا، فكيفَ إذًا بهذهِ العوالم الضَّخمةِ الهائلةِ منْ سماءٍ ومَا حوتْ منْ أفلاكٍ وشمس وقمرٍ وكواكبَ.. كلهَا مختلفة الأحجامِ والمقادير والأبعادِ والسيرِ، وأرضٍ ومَا خلقَ فيهَا منْ إنسانٍ وجان وحيوانٍ معَ مَا بين أجناسهَا وأفرادهَا منْ تباين فيِ الألوانِ والألسنِ، والاختلافِ فيِ الإدراكِ والفهومِ، والخصائصِ
¬__________
(¬1) الروعُ: الْقَلْبُ وَالْعَقْلُ.
(¬2) التواطؤُ: الاتفاقُ علَى الشيءِ وإقرارُ البعضِ البعضَ الآخرَ.
الصفحة 8