كتاب منهاج المسلم
والشِّياتِ (¬1) ، ومَا أودعَ فيهَا منْ معادنَ مختلفةِ الألوانِ والمنافعِ، ومَا أجرَى فيهَا منْ أنهار، ومَا أحاطَ يابسهَا بأبحارٍ، ومَا أنبتَ فيهَا منْ نباتٍ وأشجارٍ تختلفُ ثمارهَا، وتتباينُ أنواعهَا وطعومهَا وروائحهَا، وخصائصهَا وفوائدهَا.
2 - وجود كلامهِ عز وجل بينَ أيدينَا نقرؤهُ ونتدبَّرهُ، ونفهمُ معانيهِ، فهوَ دليلٌ علَى وجودهِ عز وجل لأنَّهُ يستحيلُ كلامٌ بلَا متكلِّمٍ، ولَا قولٌ بدونِ قائل.
فكلامهُ تعالَى دالٌّ علَى وجودهِ، ولَا سيَّمَا، وأن كلامهُ تعالَى قد اشتملَ علَى أمتن تشريعٍ عرفهُ النَّاسُ، وأحكمِ قانون حقَّقَ الخيرَ الكثيرَ للبشَّريَّةِ، كمَا اشتملَ علَى أصدقِ النَّظريَّاتِ العلميَّةِ، وعلَى الكثيرِ منَ الأمورِ الغيبيَّةِ، والحوادثِ التَّاريخيَّةِ، وكانَ صادقًا فيِ كلِّ ذلكَ أيَّمَا صدقٍ، فلم يقصر علَى طولِ الزمانِ حكمٌ منْ أحكامِ شرائعهِ عنْ تحقيقِ فوائدهِ، مهمَا اختلفَ الزمانُ والمكانُ، ولم تنتقضْ فيهِ أدنَى نظريَّةٍ منْ تلكَ النَّظرياتِ العلميةِ، ولمْ يتخلفْ فيهِ غيبٌ واحدٌ ممَّا أخبرَ بهِ منَ الْأُمُورِ الغيبيةِ. كمَا أنَّهُ لم يجرؤْ مؤرِّخٌ كائنا منْ كانَ، علَى أنْ ينقضَ قصَّة منَ القصص العديدةِ الَّتي ذكرهَا فيكذِّبهَا، أوْ يقوَى علَى تكذيبِ أوْ نفْي حادثةٍ منَ الحوادثِ التَّاريخيَّةِ الّتي أشار إليهَا أوْ فصَّلهَا.
فمثلُ هذَا الكلامِ الحكيمِ الصَّادقِ يحيلُ العقلَ البشريَّ أنْ ينسبهُ إلى أحد منَ البشرِ؛ إذْ هوَ فوقَ طوْقِ البشرِ، ومستوَى معارفهم. وإذَا بطلَ أنْ يكونَ كلامَ بشرٍ، فهوَ كلامُ خالقِ البشرِ، وهوَ دليلُ وجودهِ تعالى وعلمهِ وقدرتهِ وحكمتهِ.
3 - وجودُ هذا النِّظامِ الدَّقيقِ المتمثِّلِ فيِ هذهِ السننِ الكونيَّةِ فيِ الخلقِ والتَّكوينِ، والتَّنشئةِ والتَّطويرِ لسائرِ الكائناتِ الحيةِ فيِ هذَا الوجودِ، فإنَّ جميعَها خاضعٌ لهذهِ السننِ متقيدٌ بهَا لَا يستطيعُ الخروجَ عنهَا بحالٍ منَ الأحوالِ. فالإنسانُ مثلًا يُعْلَقُ نطفةً في الرحمِ ثمَّ تمرُّ بهِ أطوارٌ عجيبةٌ لَا دخلَ لأحد غيرِ اللّهِ فيهَا يخرجُ بعدهَا بشرًا سوياً، هذَا فيِ خَلقهِ وتكوينهِ، وكذلكَ الحالُ فيِ تنشئتهِ وتطويرهِ، فمنْ صبًا وطفولةٍ، إلَى شباب وفتوَّةٍ، إلَى كهولةٍ وشيخوخةٍ.
وهذهِ السنن العامَّةُ في الإنسانِ والحيوانِ هيَ نفسهَا في الأشجارِ والنَّباتاتِ، ومثلهَا الأفلاكُ العلويةُ والأجرامُ السَّماويَّة، فإنهَا جميعًا خاضعةٌ لماَ رُبطت بهِ منْ سننٍ لَا تحيدُ عنهَا، ولَا تخرجُ عنْ سلكهَا، ولوْ حدثَ أنِ انفرطَ سلكُهَا، أوْ خرجتْ مجموعةٌ منَ الكواكبِ عنْ مداراتهَا لخربَ العالمُ، وانتهَى شأنُ هذهِ الحياةِ.
¬__________
(¬1) الشِّيةُ: العلامةُ، والجمعُ شيات.
الصفحة 9