الفقهية المعاصرة فهماً دقيقاً يمكن معه إصدار الحكم بثقة كإملة؟ لأن الحكم
على الشيء فرع عن تصور 5، فلا يتسرع في إصدار الحكم على القضية قبل
استيعاب موضوعها، واكتمال صورتها في الذهن، ويتضج هذا من خلال عرض
نظام التأمين واساسه وانواعه وخصائصه، وأساس الالتزام فيه، والحديث عن
أبعاد 5 الاقتصادية والاجتماعية.
فالتأمين يعد وسيلة من الاحتياط والوقاية، فهو احتياط لحادث مستقبلي
قد يجيء بالضرر، فيخف أو يتلاشى بسببه، وهو وقاية من عوز ينزل بالمستاًمن
او بذويه، كما انه يبعث على الطمأنينة في نفوس اصحاب الأموال من تجار
وصناع، وهذا مما يكسب النشاط الإنساني حدة وقوة والإنتاج نمواً وجودة،
وهو يقول بعد هذا العرض وقبل إبداء الرأي: " ومما تقدم يتجلى عقد التأمين
على حقيقته، وتتكشف صورته على وضعها، وتتبين أسسه وأنواعه، وتتضج
فوائد 5 وخصائصه، وصار بذلك أمراً واضحاً مهياً للنظر فيه، والحكم عليه من
وجهة نظر الشريعة الإسلامية حكماً يقوم على الواقع، ويستند إلى الحقائق " (1).
وقبل أن يبدي فضيلته رأيه في هذ 5 القضية ذكر آراء العلماء المعاصرين
فيها، فبثن اَراء من يقولون بمنعه استناداً إلى المقامرة والغرر والغبن والربا، كما
ذكر رأي ابن عابدين فيها، وانها من باب لزوم ما لا يلزم، وناقش هذه الأدلة
مناقشة وافية، ثم بئن آراء الذين اباحوا التأمين، ووضح ادلتهم توضيحاً كإفياً،
وذكر ردودهم على المحرمين له، وانتهى إ لى القول بجواز التأ مين التعاوني دون
أن يكون في ذلك أدنى شبهة؟ لأنه يقوم به وباقساطه المستامنون أنفسهم بعضهم
لبعض. كما قال بجواز التأمين الاجتماعي الذي تقوم به الدولة لمصلحة
المواطنين: كتأمينها للمرضى والعجزة والمحالين على التقاعد والتأمين
الصحي وغير ذلك.
وأما ما بقي من أنواع التأمين، وهو التأمين التجاري ومن ضمنه التأمين
ضد الحوادث وضد المسؤولية، فبئن أن فيه غرراً يسيراً لا يمنع من صحته،
(1) التامين للخفيف، ص 0 3.
171