كتاب الشيخ علي الخفيف الفقيه المجدد

والنسخ، فالألوهية وصفاتها حقائق ثابتة والرسالة والوحي والكتب السماوية
حقائق ثابتة، والجنة والنار، والنعيم والعذاب، كل ذلك حقائق ثابتة.
وإذا كانت العبادات إنشاءات ربانية انشأها الله تعالى، ورسم حدودها،
وهيأها على صور خاصة، وطلب من عباده أن يعبدوه بها، فإن المعاملات تقبل
التغيير والتبديل، ويدخل عليها التطوير، وهي ليست من إنشاءات الشريعة
الإسلامية، فالشريعة جاءت فوجدت صوراً يتعامل الناس بها فكان لها موقف
منها غير موقف الإنشاء والرسم، هو موقف الإقرار او التعديل أو الإلغاء. وهي
لا تتدخل في هذا الميدان إلا بمقدار ما تحمي مثلها ومبادئها التي جاءت بها من
العدل والتيسير والرحمة ودفع أسباب التشاحن والبغضاء (1).
فهو يقول: "وليست الشريعة شريعة جديدة مستحدثة في جميع
احكامها، بل جاءت مقرة لكثير مما كان عليه تعامل العرب قبلها، إذ كان العرب
كأية أمة أو مجتمع لهم حياة اجتمإعية مدنية، ذات ارتباطات سياسية، وصلات
اقتصادية، وتعاقدات مدنية، ومعاملات مالية، بقدر ما دعت إليها حالتهم
الاجتمإعية وكيانهم البدائي، فكانوا يتحالفون ويتبايعون ويتداينون ويؤجرون
ويرهنون ويتّجرون ويتزاوجون، وكانوا في جميع معاملاتهم وعقودهم
واتفاقاتهم يصدرون عن إرادتهم، خاضعين لأعراف وعاداب جارية بينهم،
فأقرت الشريعة كثيرأ منها، وحرمت ما كان منها ضاراً لا يصلح عليه حال
المجتمع، وفي ذلك إقرار منها لما كان للإرادة من سلطان كانت تقوم عليه تلك
المعاملات والاتفاقات غير أنها لم تقرها إلا في حدود المصلحة الاجتمإعية،
ورفع الجور، والمحافظة على الحقوق، وعدم الإضرار بالغير، وذلك بالبعد
عن الغرر والخداع والغش والغبن الفاحش " (2).
هذا الكلام المجمل قد طرحه في كتبه عدة مرات حتى تبلور لديه في
(1)
(2)
بتصرف من مقال: (ميدان التطور في الشريعة) للشيخ محمد المدني، مجلة
ا لأزهر؟ وا لاجتهاد وا لتجد يد ا لتونسي، صه 5 - 57.
التصرف ا لانفرادي والإرادة المنفردة لعلي الخفيف، ص 4.
48

الصفحة 48