كتاب الشيخ علي الخفيف الفقيه المجدد

ووجود من يمثلهم ويلتزم باسمهم، نظراً لكثرة اعمالها وتنوعها، وحاجتها إلى
مجهودات فنية، مما أدى إلى اعتبار رأس المال بالشركة مملوكإً لها، ليكون له
استقلاله وأمنه من ان يتعرض لاختلافات الشركاء في رغباتهم ومنازعاتهم،
فضلاً عما في ذلك من عدم تعرض أموال الشركاء الخاصة للخطر إذا ما عجزت
الشركة عن الوفاء بالتزاماتها. فعلى هذا الأساس بنيت فكرة الشخصية الاعتبارية
للشركة، ولكنها لم تتضح إلا في عهد الجمهوريات الإيطالية التي قامت في
القرون الوسطى (1).
ولم يتح لهذه النظرية ظهور في الفقه الإسلامي في مجال الشركات، فقد
اهتم الفقهاء ببحث الشركة، وتفصيل احكامها، ولكنهم لم يفصلوا الشركة عن
الشركاء، ولم يعترفوا بوجود ذمة مستقلة للشركة، واعتبروا ذمم الشركاء هي
ذمة الشركة، وبالتالي لم يكن للشخصية المعنوية للشركة عند الفقهاء اعتبار،
ويرجع سبب ذلك إ لى أمرين:
الأمر الأول -طبيعة الفقه الإسلامي واتجاهه الموضوعي:
اتجه الفقه الإسلامي منذ نشأته إلى تنظيم صلات الإنسان، فنظم علاقة
الإنسان بربه عن طريق الأحكام المتعلقة بالعبادات، ونظم علاقة الإنسان بنفسه
عن طريق الأحكام المتعلقة بالحلال والحرام من الأطعمة والألبسة، ونظم
علاقة الإنسان بغيره من الناس بأحكام المعاملات والأحوال الشخصية والسياسة
الشرعية وغير ذلك.
وكان مدار التكليف بهذه الواجبات لالتزام ما يجب له، وما يجب عليه،
وصلاحيته لأن تكون له حقوق قبل غيره، وان تكون عليه واجبات لغيره.
واستتبع وجود هذه الواجبات وجود ما يسمى بالأهلية أو الذمة، وهي: " وصف
شرعي يكون به الإنسان اهلاً لما يجب له وما يجب عليه أياً كان هذا الواجب
عبادة أو غيرها" وهي بهذا المعنى لا يتصور وجودها إلا في الإنسان الحي فقط
(1) الشركات في الفقه الإسلامي لعلي الخفيف، ص 22.
75

الصفحة 75