كتاب بين العقيدة والقيادة
إنها ليست العقيدة في أولى درجاتها، إنما العقيدة في أعلى سماتها، إنها التجرد لله سبحانه وتعالى، وإنها أعلى من الحقيقة، التي يدعو إليها مونتكومري؛ وإن ذلك مؤداه أن يخرج المجاهد قائداً أو مقوداً لا يجعل لشخصه مكاناً في مقصده، بل تفنى نفسه في الجهاد.
وإذا كان بعض القواد يقول: إن القائد يجب أن يكون في نيته كالكاهن لا يعرف إلا العبادة لله تعالى في جهاده؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال ما هو أعلى من هذا، فقد عدّ - صلى الله عليه وسلم - الجهاد أفضل العبادات.
وعدّ عليه السلام المستشهد في سبيل الله تعالى قد فاز بالجنة، وكان المجاهدون من أصحابه إذا أوشكوا على الشهادة نادى أحدهم: فزت ورب الكعبة.
فالعقيدة لم تكن صفة القائد وحده، بل صفة كل جندي يحارب في سبيل الله، ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لكل أمة رهبانية، ورهبانية أمتي في الجهاد".
وإن المجاهد المخلص المؤمن المتقد الذهن، يتفق مع الراهب في ناحية، ويختلف عنه في ناحيتين:
أما ناحية الاتفاق فهي أن كل واحد منهما يتجه إلى عبادة مخلصة لا يبتغي عرضاً من أعراض الدنيا، ولا مأرباً شخصياً فيها، ولكن رضا الله على اتجاه مستقيم في جانب المجاهد، وعلى انحراف في جانب الراهب، لأن الرهبانية ابتدعها الذين أخذوها جزءاً من دينهم، كما قال تعالى في أتباع المسيح عليه السلام: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}.
الصفحة 22
608