كتاب بين العقيدة والقيادة
ويذهب هذه الجولة التي أدخلت الإسلام في غصنه الرطيب الأندلسي، وتجيء من بعد ذلك جولات بقيادات معتقدة مؤمنة، حتى يصل عبد الرحمن الغافقي بجند الإسلام إلى جنوب فرنسا ويصاقب وسطها؛ ولكن يجيء الجزر بعد المد، ويقف الغزو، لأن النفوس قد عراها التردد، بعد الاعتقاد، والطمع بعد الإيمان، والانغماس في الشهوات، بعد العزيمة القوية، والضبط الكامل، والصبر الناصر.
11 - عندما خلت نفوس القواد من العقيدة، وصار الذي يحرك القائد حب الغلب وحب السلطان، وتنازعوا أمرهم، وصار بأسهم بينهم شديداً، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، وظهرت النزعات الإقليمية؛ عندما كان ذلك، صار المسلمون يُغزَون، ولا يفتحون، وصاروا يُرامون ممن كانوا هم يفتحون بلادهم.
كانت الحروب الصليبية في الشرق، وأخذوا بيت المقدس، فعندئذ تحركت همم بعض القواد، وتقدم جند مؤمنون بقيادة قواد يؤمنون ويعتقدون ويذعنون لأمر الله ونهيه.
تقدم محمود نور الدين الزنكي، وكان مؤمناً، كثير الركوع قانتاً عابداً ضارعاً، فأخذ وجه الحرب يتغير، وتكاتفت جنود أوروبا بملوكها.
وحمل الراية معه ومن بعده يوسف صلاح الدين الأيوبي، وبقوة إيمانه وإخلاصه جمع العرب، وقادهم بقوة العقيدة، وحكمة القيادة والشرف العسكري، حتى استرد بيت المقدس من غاصبيه؛ وقد ذكر كل ذلك القائد المؤمن اللواء الركن محمود شيت خطاب في بيان رائع،
الصفحة 26
608