كتاب بين العقيدة والقيادة

بالنجاح وحده بل بالتفوق في النجاح؛ وكان سبيلي إلى ذلك العمل الدائب وإتقانه، والحرص الشديد على أداء الواجب وإحسانه، واستيعاب العلوم العسكرية بدقائقها، والسهر على تدريب الجنود وحل مشاكلهم، حتى أصبح رعيلي (1) نموذجياً، يقصده الزائرون من الوحدات الأخرى والأجانب، ويحوز قصب السبق تدريباً وتهذيباً وتنظيماً وضبطاً على رعائل الكتيبة.
كنت أحضر الثكنة قبل شروق الشمس، وكنت أغادرها في الهزيع الأول من الليل، وكنت أقضي وقتي كله متعلماً ومعلِّماً ومتدرباً ومدرّباً، وكان من الأمور الاعتيادية أن يصدح بوق النهوض وأنا في الثكنة، فيجدني جنودي منتصب القامة في قاعة نومهم؛ فشاع بين الضباط أنني أصلي الفجر في الثكنة ولا أغادرها إلا بعد صلاة العشاء. كانوا يرددون ذلك بشكل نكتة تستدر الابتسام، ولو أنها كانت تقريراً للواقع.
وبهذا الجهد الجهيد، استطعت تكذيب ما أُلصق بالمتدينين ظلماً وعدواناً، واستطعت الاستحواذ على ثقة قادتي وجنودي، وتسنُّم مناصب عسكرية لا يحلم بها زملائي في الرتبة والقِدَم.
ونُقلت من كتيبتي إلى منصب ضابط ركن مقر لواء الخيالة في بغداد، وكان قائد اللواء قليل الاختلاط بالضباط، يعرفهم بأعمالهم لا باتصاله الشخصي بهم.
_______
(1) الرعيل في سلاح الفرسان: فصيلة في سلاح المشاة، مؤلف من نحو اثنين وثلاثين جندياً
وضابط صف، بقيادة ضابط برتبة ملازم.

الصفحة 33