كتاب حقوق اليتامى كما جاءت في سورة النساء

وفي الحديث (¬1): «اجتنبوا السبع الموبقات» وذكر منهن «أكل مال اليتيم» وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر «يا أبا ذر إنك إنسان ضعيف، وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تتأمرن على اثنين، ولا تتولين مال يتيم» (¬2)، إلى غير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة من النصوص التي فيها التوكيد على وجوب رعاية اليتامى وحفظ حقوقهم والنهي عن قربان أموالهم إلا بالتي هي أحسن، لهذا عدّ بعض العلماء أكل أموال اليتامى أكبر الكبائر بعد الشرك بالله (¬3).
17 - عناية الله عز وجل العظيمة باليتامى، لأنهم بلغوا الغاية في الضعف لفقد آبائهم، الذين يحوطونهم، ويكتسبون لهم، وينفقون عليهم، ويعلمونهم، ويؤدبونهم، ويعطفون عليهم، ويرحمونهم. لهذا أنزل الله في شأنهم تسع آيات متوالية في مطلع هذه السورة عناية بهم ورحمة (¬4).
****
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في الوصايا ومسلم في الإيمان 89، وأبو داود في الوصايا 2874، والنسائي في الوصايا 3671 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(¬2) سبق تخريجه ص81.
(¬3) اختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من عدّ أكبرالكبائر الربا.
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومنهم من قال أكبر الكبائر أكل مال اليتيم.
ومنهم من قال أكبر الكبائر القتل بغير حق وهو قول الجمهور.

وهذا مبني على الاختلاف في أعظم وعيد ورد في القرآن في الكبائر فمنهم من قال هو قول الله تعالى في الربا {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} سورة البقرة الآيات (278، 279).
ومنهم من قال قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأكلونَ أموال الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّما يَأكلونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} سورة النساء، آية (10).
ومهم من قال هو قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} سورة النساء الآية (93).
ومذهب أهل السنة والجماعة أن ما عدا الشرك بالله من الذنوب فهو تحت مشيئته إن شاء عذب به وإن شاء عفا عنه. فلا حجة في هذه الآيات ولا غيرها من آيات الوعيد لمن يكفّر بالذنوب. انظر «الجامع الحاكم لأحكام القرآن» 5/ 54.
(¬4) انظر «التفسير الكبير» 9/ 162، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية 31/ 108 - 110.

الصفحة 101