والأول أولى وهو ظاهر الآية، ويؤيده المعنى فإن الجزاء من جنس العمل، وقد قابل عز وجل أكلهم أموال اليتامى في الدنيا بأكلهم النار يوم القيامة، وقد قال عز وجل {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} (¬1) قال المفسرون: سلسه من نار تدخل مع فيه وتخرج من دبره (¬2)، وقال تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} (¬3)، وهذه الشجرة في أصل الجحيم، كما قال عز وجل: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} (¬4).
وذكر البطون مع أن الأكل لا يكون إلا فيها للتوكيد (¬5) والمبالغة كقوله تعالى: {وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (¬6). وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} (¬7).
وكما يقال: أبصرت بعيني، وسمعت بأذني.
كما أن في ذلك تشنيعاً عليهم حيث اعتدوا على أموال اليتامى من أجل بطونهم التي مآل ما يوضع فيها إلى الاضمحلال والتلف (¬8)، ولذلك قال في الحديث: «ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه» (¬9).
قال أبو حيان (¬10): «وعرض بذكر البطون لخستهم وسقوط هممهم والعرب تذم بذلك قال الحطيئة» (¬11).
¬_________
(¬1) سورة الحاقة، آية: 32.
(¬2) انظر «جامع البيان»، «تفسير ابن كثير» 8/ 243.
(¬3) سورة الدخان، الآيات: 43 - 46.
(¬4) سورة الصافات، آية: 64.
(¬5) انظر «معاني القرآن» للأخفش 1/ 435، «التفسير الكبير» 9/ 163.
(¬6) سورة الحج، آية: 46.
(¬7) سورة الأحزاب، آية: 4.
(¬8) انظر «المحرر الوجيز» 4/ 31، «الجامع لأحكام القرآن» 5/ 53، «البحر المحيط» 3/ 179.
(¬9) أخرجه الترمذي في الزهد 2380، وابن ماجه في الأطعمة 3349 من حديث المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه -، وصححه الألباني.
(¬10) في «البحر المحيط» 3/ 179.
(¬11) انظر «ديوانه» ص50.