كتاب الموسوعة في صحيح السيرة النبوية - العهد المكي

زلت بها حتى ناولتنيها، ففتحتها فإذا فيها: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فلما مررت باسم من أسماء الله -عَزَّ وجَلَّ- ذعرت منه فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فإذا فيها {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، فلما مررت باسم من أسماء الله ذعرت، ثم رجعت إلى نفسي، فقرأتها حتى بلغت: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى آخر الآية، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فخرجوا إلي متبادرين وكبروا وقالوا: أبشر يا ابن الخطاب فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا يوم الاثنين فقال: "اللَّهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل بن هشام، وإما عمر بن الخطاب" وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك فأبشر. قال: قلت: فأخبروني أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فلما عرفوا الصدق مني قالوا: في بيت بأسفل الصفا، فخرجت، حتى قرعت الباب عليهم، فقالوا: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وقد علموا من شدتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يعلمون بإسلامي، فما اجترأ أحد بفتح الباب حتى قال: افتحوا له، إن يرد الله به خيرًا يهده، ففتحوا لي الباب فأخذ رجلان بعضدي، حتى أتيا بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خلوا عنه"، ثم أخذ بمجامع قميصي، ثم جذبني إليه، ثم قال: "أسلم يا ابن الخطاب، اللَّهم اهده"، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة. (¬1)
روى ابن سيد الناس من طريق ابن عائذ بسنده عن أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر فذكر القصة وفيها: فأتيته بصحيفة فيها {طه} فقرأ فيها ما شاء الله، قال عمر: فلما بلغ {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. وفيها: قالوا: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب يستفتح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ائذنوا له، فإن يرد الله به خيرًا يهده وإلا كفيتموه بإذن الله". (¬2)
¬__________
(¬1) دلائل البيهقي: ج 2/ 216.
(¬2) عيون الأثر: ج 1/ 124.

الصفحة 428