كتاب مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد

والاجْتِهادُ: بَذْلُ الوُسْعِ في بُلُوغِ الغَرَضِ (¬1) .
وَقالَ مَالكٌ: ((يَجِبُ على العَوَامِ تَقْليدُ المُجْتَهدِين في الأَحْكامِ، كَمَا يَجِبُ على المُجْتَهدِين الاجْتِهادُ في أَعْيَانِ الأَدِلَّةِ)) (¬2) .
قَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّة: ((النَّبِيهُ الَّذِي سَمِعَ اخْتَلافَ العُلَمَاءِ وأَدِلَّتَهُم؛ في الجُمْلةِ عِنْدَهُ مَا يَعْرِفُ بِهِ رُجْحَانَ القَوْلِ)) (¬3) .
قَالَ: ((وأَكثرُ مَنْ يُميِّزُ في العِلْمِ من المتّوسِّطِينَ إذَا نَظَرَ وتَأَمَّلَ أَدِلَّةَ الفَرِيقَيْنِ بقَصْدٍ حَسَنٍ، ونَظَرٍ تَامٍ، تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهما، لكِنْ قَدْ لا يَثِقُ بِنَظَرِهِ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لا يَعْرِفُ جَوَابَهُ، والوَاجِبُ عَلى مِثْلِ هَذَا مُوافَقَتهُ القَوْلَ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدهُ بِلا دَعْوَى مِنْهُ لِلاجْتِهَادِ)) (¬4) . انْتَهَى.
وقَالَ الشَّافِعيُّ في الرِّسَالةِ: ((فَكلُّ مَا أَنَزْلَ اللهُ في كِتَابِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَحمةٌ وحُجَّةٌ [4/] ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ. وَالنَّاسُ طَبَقاتٌ في العِلْمِ مَوقِعُهُم مِنْ العِلْمِ بِقَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ فِيْهِ؛ فَحَقٌّ عَلى طَلَبَةِ العِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جَهْدَهِمْ في الاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ، والصَّبرُ عَلى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ، واخْلاصُ النِّيَّةِ للهِ في اسْتِدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصَّاً واستِنْبَاطَاً، وَالرَّغبَةُ إلى اللهِ في العَوْنِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهً لا يُدْرَكُ خَيرٌ إلَّا بِعَوْنِهِ.فَإنّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ اللهِ مِنْ كِتَابِهِ نَصَّاً واسْتِدْلالاً، وَوَفَّقَهُ اللهُ لِلقَوْلِ والعَمَلِ بِمَا عَلِمَ مِنْهُ، فَازَ بِالفَضِيلَةِ في دِيْنِهِ ودُنْياهُ؛ فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمَاً في كِتَابِهِ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّه ِ - صلى الله عليه وسلم - (¬5)) ) .
¬__________
(¬1) الورقات (508) باختصار. وانظر: معجم أصول الفقه (91) و (21) ومعالم في أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة للجيزاني (463) و (489) فهو نفيس، والتقليد للدكتور سعد الشثري (16) ففيه مناقشة لتعريف التقليد نفيسة.
(¬2) لم أجد من ذكره على طول بحث.
(¬3) الاختيارات مع الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام (5/555) .
(¬4) الاختيارات مع الفتاوى الكبرى (5/556) .
(¬5) الرسالة (34) . ...

الصفحة 21