كتاب مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد

قَالَ: ((وَإِنَّمَا خَاطبَ اللهُ بِكِتَابِهِ العَرَبَ بِلِسَانِهَا عَلى مَا تَعْرِفُ مِنْ مَعَانِيْهَا)) (¬1) .
وَقَالَ أَيْضَاً: ((القِيَاسُ [/5] أَنْ يُحَرِّمَ اللهُ في كِتَابِهِ، أَوْ يُحَرِّمَ رَسُولُهُ القَلِيلَ مِنْ الشَّيءِ؛ فيُعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَهُ إِذَا حُرِّمَ كَانَ كَثيرُهُ مِثلَ قَلِيلِهِ في التَّحْرِيم أَوْ أَكثرَ، وكَذَلِك إذا حُمِدَ على يَسيرٍ مِنْ الطاعَةِ كانَ مَا هُوَ أكثرُ مِنْها أَوْلَى أَنْ يُحْمَدَ عَليهِ، وَكذَلِك إِذَا أَبَاحَ كثيرَ شَيءٍ كانَ الأَقَلُّ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ يَكونَ مُبَاحَاً)) (¬2) .
وقال أيضاً: ((القِيَاسُ مَنْزِلَةُ ضَرُورةٍ؛ لأنَّهُ لا يَحِلُّ القِياسُ والخَبرُ مَوجودٌ، كَما يكونَ التَّيَمُّمُ طَهارةً في السَّفَرِ عِنْدَ الإِعْوَازِ مِنْ الماءِ.)) (¬3) . انْتَهَى مُلَخَّصَاً.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذٍ بِنِ جَبَلٍ حِيْنَ بَعَثَهُ إِلى اليَمَنِ: ((بِمَ تَقْضِي؟ فَقَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَقْضِي َبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي؛ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ)) (¬4) .
¬__________
(¬1) الرسالة (51) .
(¬2) الرسالة (513) .
(¬3) الرسالة (599) بتلخيصٍ وتصرفٍ لما سبق من المؤلف رحمه الله كما ذكر. وانظر: إعلام الموقعين (4/43) .
(¬4) أخرجه: أبو داود. في كتاب القضاء، باب اجتهاد الرأي في القضاء، حديث (3592) ، والترمذي: في كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، حديث (1327) ، وأحمد في مسند (36/ حديث 22007 و 22100 و 22061، طبعة الرسالة) ، والدارمي في مسنده (1/267 / رقم 170) تحقيق الأسد، وأبو داود الطيالسي في مسنده رقم (559) طبعة المعرفة، وفي المنحة (1/286/رقم 1452) ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/114) ، وابن أبي شيبة في مصنفه، (4/544/22979) ، وابن عبد البر في جامعه (2/ رقم 1592، 1593) ، والعُقَيْلي في الضعفاء في ترجمة الحارث بن عمرو (1/234/ رقم 263) طبعة السلفي، والدارقطني في العلل (6/88/ رقم 1001) ، وغيرهم.
من طرق عن شعبة عن أبي العون محمد بن عبيد الله الثقفي عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن معاذ، وتارة عن أصحاب معاذ عن معاذ، واخرى عن أناس من أصحاب معاذ من أهل حمص عن معاذ قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/82) : ((الحارث بن عمرو؛ روى عن أصحاب معاذ، روى عنه أبو عون الثقفي سمعت أبي يقول ذلك)) .=
=وقال الذهبي في الميزان (2/175) : ((عن رجال عن معاذ بحديث الاجتهاد، قال البخاري لا يصح ... حديثه)) . وانظر: التاريخ الصغير للبخاري (1/304) ؛ فمدار الحديث على الحارث بن عمرو:
قال الحافظ: ((مجهول)) ، وقال البخاري: ((لا يصح حديثه)) وقال الذهبي: ((تفرد به أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي، عن الحارث بن عمرو الثقفي ابن أخي المغيرة، وما روى عن الحارث غير أبي عون، فهو مجهول)) . وانظر: التهذيب (1/474) طبعة المعرفة.
وقال الترمذي: ((هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل)) . وانظر تحفة الأحوذي (3/449) .
وقال ابن الجوزي في العلل (2/758) : ((لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه وإن كان معناه صحيحاً)) .
وقال الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/243 رقم 101) طبعة الفريوائي: ((هذا حديث باطل)) .
وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/424) تحقيق السلفي: ((رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف، وقال البخاري: مرسل، وقال ابن حزم: لا يصح، وقال عبد الحق: لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح.)) باختصار.
وقال العلامة المحدث الراحل الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الضعيفة (2/273) ((منكر)) وذكر كلاماً لابن حزم رحمه الله فقال: ((هذا حديث ساقط، لم يروه أحد من هذا الطريق، وأول سقوطه أنه عن قوم مجهولين لم يُسموا، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو؟ وفيه الحارث بن عمرو، وهو مجهول لا يعرف من هو؟ ولم يأت هذا الحديث من غير طريقه)) وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه: ((لا يصح)) ثم قال: ((وهذا حديث باطل لا أصل له)) أ. هـ.
وقال الحافظ رحمه الله في التلخيص الحبير (4/182) فيما نقله عن محمد بن طاهر المقدسي (ت ... 507هـ) : ((اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل؛ فلم أجد له غير طريقين؛ إحداهما طريق شعبة؛ والأخرى عن محمد بن جابر، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن رجل من ثقيف، عن معاذ؛ وكلاهما لا يصح)) . أ. هـ.
ولقد صنَّف جمع من أهل العلم في بيان درجة هذا الحديث، انظر: التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتصنيف للشيخ يوسف العتيق أثابه الله.
وجوَّد إسناده الحافظُ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/113) ، فقال: ((وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد كما هو مقرَّر في موضعه)) .
= ومن رام مزيد بيان وتوضيح وردٍّ على من صحَّح الحديث أو حسَّنه يُرجع إلى ما سطرته يراعُ العلاّمَة المحدِّث الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2/273/ رقم 881) والله أعلم.

الصفحة 22