كتاب مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ مُحَمَّدُ بِنُ عَبْدِ الوَهَّابِ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ:
((وأَمَّا هَذَا الخَيَالُ الشَّيْطَانِي الَّذِي اصْطَادَ بِهِ النَّاسَ، أَنَّ مَنْ سَلَكَ هَذا المسْلَكَ فَقَدْ نَسَبَ نَفْسَهُ لِلاجْتِهَادِ، وَترَكَ الاِقْتِدَاءَ بِأَهْلِ العِلْمِ، وَزَخْرَفَهُ بِأَنْوَاعِ الزَّخَارِفِ؛ فَلَيْسَ هَذا بِكَثيرٍ مِنْ الشَّيْطَانِ وزَخَارِفِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [سورة الأنعام: 112] .
فَإِنَّ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ وأَدْعُوُكُمْ إِلَيْهِ هُوَ فِي الحَقِيْقَةِ، الاِقْتِدَاءِ بِأَهْلِ العِلْمِ فَإِنَّهُمُ قَدْ وَصَّوْا النَّاسَ بِذَلِك، وَمِنْ أَشْهَرِهِمْ كَلامَاً فِي ذَلِكَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ:
((لا بُدَّ أَنْ تَجِدُوُا عَنِّي مَا يُخَالِفُ الحَدِيثَ؛ فَكُلُ مَا خَالَفَهُ فَأُشْهِدُكُمْ [18/] أَنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْهُ))
وَأَيْضَاً: ((أَنَا فِي مُخَالَفَتِي هَذَا العَالِمَ (¬1) لَمْ أُخَالِفَهُ وَحْدِي؛ فَإِذَا اخْتَلَفْتُ أَنَا وَشَافِعِيٌ مَثَلاً فِي أَبْوَالِ مَأكُولِ الَّلَحْمِ، وقُلْتُ القَوْلَ بِنَجَاسَتِهِ يُخَالِفُ حَدِيثَ العُرَنِنِّينَ، وَيُخَالِفُ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: ((صَلَّى فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ)) ؛ فَقَالَ هَذَا الجَاهِلُ الظَّالِمُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ مِنْ الشَّافِعِيِّ؟
قُلْتُ: أَنَا لَمْ أُخَالِفُ الشَّافِعِيَّ مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ اتَّبَعْتُهُ، بَلْ اتَّبَعْتُ مَنْ هُوَ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ، أَوْ أَعْلَمَ مِنْهُ قَدْ خَاَلَفَهُ واسْتَدَلَّ بِالأَحَادِيثِ.
فَإِذَا قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ مِنْ الشَّافِعِيِّ؟ قُلتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِكَ وَأَحْمَدَ؟
فَقَدْ عَارَضْتُهُ بِمِثْلِ مَا عَارَضَنِي بِهِ، وسَلِمَ الدَّلِيلُ مِنْ المَعَارِضِ، واتَّبَعْتُ قَولَ اللهِ تَعَالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء:59] . انْتَهَى (¬2) .

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي إِرْشَادِ الفُحُولِ: ((وَعِنْدِي أَنَّ مَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْ تَتَبُّعِ الآيَاتِ القُرْآنيَِّةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، وجَعَلَ ذَلِكَ دَأْبَهُ، وَوَجَّهَ إِلَيْهِ هِمَّتَهُ، واسْتَعَانَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، واسْتَمَدَّ
¬__________
(¬1) في المخطوط (العلم) والتصحيح من الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (3/142) .
(¬2) الرسائل الشخصية (3/142، 143) ط: دار القاسم.

الصفحة 32