كتاب مقام الرشاد بين التقليد والاجتهاد

مِنْهُ التَّوْفِيقَ، كَانَ مُعْظَمُ هَمِّهِ ومَرْمَى قَصْدِهِ الوُقُوفَ عَلى الحَقِّ، والعُثُورَ عَلى الصَّوابِ، مِنْ دُونِ تَعَصُّبٍ لِمَذْهَبٍ مِنْ المَذَاهِبِ، [/19] وَجَدَ فِيْهِمَا مَا يَطْلُُبُهُ؛ فَإِنَّهُمَا الكَثِيرُ الطَّيِبُ، والبَحْرُ الَّذِي لا يَنْزِفُ، والنَّهْرُ الَّذِي يَشْرِبُ مِنْهُ كُلُّ وَارِدٍ عَلَيْهِ، وَالعَذْبُ الزُّلَالُ، والمُعْتَصَمُ الَّذِي يَأْوِيِ إِلَيهِ كُلُّ خَائِفٍ؛ فَاشْدُدْ يَدَيْكَ عَلى هَذا؛ فَإِنَّكَ لَإِنْ قَبِلْتَهُ بِصَدْرٍ مُنْشَرِحٍ، وَقَلْبٍ مُوَفَّقٍ، وَعَقْلٍِ قَدْ حَلَّتْ بِهِ الهِدَايَةُ، وَجَدْتَ فِيْهِمَا كُلَّ مَا تَطْلُبُهُ مِنْ أَدِلَّةِ الأَحْكَامِ الَّتِي تُرِيدُ الوُقُوفَ عَلى دَلَائِلِهَا كَائِنَاً مَا كَان.)) (¬1) .
وَقَالَ أَيْضَاً: ((التَّقْلِيدُ: العَمَلُ بِقَوْلِ الغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍِ؛ فَيَخْرُجُ العَمَلُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، والعَمَلُ بِالإجْمَاعِ، ورُجُوعُ العَامِّيِّ إِلى المُفْتِي، ورُجُوعُ القَاضِي إِلى شَهَادَةِ العُدُولِ؛ فَإِنَّها قَدْ قَامَتْ الحُجَّةُ فِي ذَلِك)) انْتَهَى (¬2) .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ؛ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ؛ فَلَهُ أَجْرٌ)) (¬3)
وَقَالَ البُخَارِيُّ: ((بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ وَتَكَلُّفِ الْقِيَاسِ))
{وَلَا تَقْفُ} ولَا تَقُلْ {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}
وسَاقَ حَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ [20/] بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ)) (¬4) .
¬__________
(¬1) إرشاد الفحول (2/1059) بتصرف.
(¬2) إرشاد الفحول (2/1081) .
(¬3) أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم، إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (7352) ، ومسلم: كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، فأصاب أو أخطأ (1716) .
(¬4) البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (9/100) ، تحقيق الشيخ زهير الناصر، والفتح (13/345) .

الصفحة 33