كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش

§ذِكْرُ بَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُوسَى كَانَ يَنْظُرُ فِي عَجَائِبِ الْبَحْرِ
61 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ النَّهَاوَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ يَحْيَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُطِيعٍ السُّلَمِيُّ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §خَرَجَ مُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ إِلَى الْبَحْرِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي عَجَائِبِ الْبَحْرِ، فَإِذَا هُوَ بِصَيَّادٍ مُشْرِكٍ مَجُوسِيٍّ خَبِيثٍ، أَشْرَكَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَفَرَ بِهِ، فَأَلْقَى شَبَكَتَهُ، فَطَبَعَهَا سَمَكًا، ثُمَّ أَلْقَاهَا الثَّانِيَةَ فَطَبَعَهَا سَمَكًا حَتَّى مَلَأَ سَفِينَتَهُ، ثُمَّ وَلَّى وَأَشْرَكَ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِ شَيْخٌ كَبِيرٌ مُسْلِمٌ وَرِعٌ، فَأَلْقَى الشَّبَكَةَ فَلَا شَيْءَ، ثُمَّ أَلْقَى الثَّانِيَةَ وَدَعَا، فَلَا شَيْءَ، ثُمَّ أَلْقَى الثَّالِثَةَ، وَأَمْسَى قَالَ: يَا رَبِّ، عِيَالِي وَحَاجَتَنَا. قَالَ: فَإِذَا هُو بِسَمَكِةٍ قَدْ وَقَعَتْ فِي الشَّبَكَةِ قَالَ: وَمُوسَى يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَشَكَرَهُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا يُبَلِّغُ عِيَالَنَا -[76]- اللَّيْلَةَ، وَانْصَرَفَ حَامِدًا لِلَّهِ شَاكِرًا. قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ، عَبْدٌ جَاءَكَ أَشْرَكَ بِكَ، وَكَفَرَ بِكَ، وَجَعَلَ لَكَ شُرَكَاءَ، بَسَطْتَ لَهُ رِزْقَكَ، وَأَوْسَعْتَ عَلَيْهِ، وَأَعْطَيْتَهُ، وَجَاءَكَ عَبْدُكَ الْمُؤْمِنُ رَاضِيًا بِكَ، فَقَتَرْتَ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتَ لِهَذَا الْمُشْرِكِ، وَيَأْكُلُ رِزْقَكَ، وَيَمْشِي فِي أَرْضِكَ، وَيَعْبُدُ غَيْرَكَ؟ قَالَ: يَا مُوسَى، إِنَّ لِي دَارَيْنِ، فَانْظُرْ إِلَيْهِمَا قَالَ: فَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ، وَقَالَ: انْظُرْ دَارِي هَذِهِ جَعَلْتُهَا لِأَوْلِيَائِي، وَأَهْلِ طَاعَتِي، وَأَهْلِ الصَّبْرِ، ثُمَّ قَالَ: انْظُرْ إِلَى دَارِي الْأُخْرَى، فَأَخْرَجَ جَهَنَّمَ، فَزَفَرَتْ، فَاسْتَجَارَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهَا بِرَبِّهِ، وَقَالَ: يَا مُوسَى، مَا ضَرَّ عَبْدِي أَيَّامًا مَعْدُودَةً، قَتَّرْتُ عَلَيْهِ مَعِيشَتَهُ، فَصَبَرَ، وَرَضِيَ بِمَا رَضِيتُ لَهُ، قَدِمَ عَلَيَّ، وَأَنَا عَنْهُ رَاضٍ، فَأَسْكَنْتُهُ دَارِي، مَا ضَرَّ مَا كَانَ فِيهِ بِالْأَمْسِ، وَبَسَطْتُ لِعَبْدِي هَذَا الَّذِي أَشْرَكَ بِي فِي رِزْقِي، وَيَمْشِي فِي أَرْضِي، أَسْكَنْتُهُ دَارِي هَذِهِ الْأُخْرَى، مَا نَفَعَهُ مَا كَانَ فِيهِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ قَالَ: وَلِّ وَجْهَكَ يَا مُوسَى، فَوَلَّى وَجْهَهُ، قَالَ: انْظُرْ إِلَيْهِمَا، الْآنَ حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ قَالَ: دَخَلُوهَا وَعِزَّتِكَ "

الصفحة 75