كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش
§ذِكْرُ رُؤْيَا رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ اللَّخْمِيِّ وَجَوَابُ سَطِيحٍ وَشِقٍّ مِمَّا أَلْهَمَهُمَا اللَّهُ مِنْ نَعَتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
71 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْخُوَارِزْمِيُّ، حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ،: " أَنَّ §رَبِيعَةَ بْنَ نَصْرٍ اللَّخْمِيَّ، مَلِكٌ مِنَ الْيَمَنِ رَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ، وَفَظِعَ -[89]- بِهَا، فَلَمْ يَدَعْ فِي مَمْلَكَتِهِ سَاحِرًا، وَلَا كَاهِنًا، وَلَا عَايِفًا، وَلَا مُنَجِّمًا إِلَّا جَمَعَهُمْ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفُظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرُونِي بِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا: اقْصُصْهَا عَلَيْنَا بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إِنِّي إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنْ إِلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إِلَّا مَنْ يَعْرِفُهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِيَبْعَثَ الْمَلِكُ إِلَى سَطِيحٍ وَشِقٍّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا فِيمَا أَعْلَمَ النَّاسَ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ، وَاسْمُ سَطِيحٍ: رَبِيعَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذِئْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَازِنِ بْنِ غَسَّانَ، وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى ذِئْبٍ، وَشِقُّ بْنُ صَعْبِ بْنِ صَعْبِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ رُهْمِ بْنِ أَفْرُكَ بْنِ نَذِيرِ بْنِ بَشِيرٍ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمَا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقٍّ، فَقَالَ لَهُ: يَا سَطِيحُ، قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفُظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِهَا، قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتَ حُمَمَةً، خَرَجَتْ فِي ظُلْمَةٍ، فَوَقَعَتْ فِي أَرْضٍ تَهِمَةٍ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمَةٍ. قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ مِنْهاُ شَيْئًا يَا سَطِيحُ، فَمَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا؟ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ حَنَشٍ، لَيَطَأَنَّ أَرْضَكُمُ الْحَبَشُ، فَلْيَمْلِكَنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إِلَى جُرَشٍ. قَالَ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا سَطِيحُ، إِنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ، أَفِي زَمَانِي أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: بَلْ بَعْدَهُ بِحِينٍ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ، يَمْضِينَ مِنَ السِّنِينَ، قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِم أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ يُقْتَلُونَ بِهَا أَجْمَعِينَ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا هَارِبِينَ، قَالَ الْمَلِكُ: وَمَنِ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ؟ قَالَ: يَلِيهِمْ إِرَمُ بْنُ ذِي يَزِنٍ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنٍ، فَلَا يَتْرُكُ مِنْهُمْ أَحَدًا بِالْيَمَنِ، قَالَ: فَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ، قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ: نَبِيُّ زَكِيُّ، يَأْتِيهِ الْوَحْي مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ، قَالَ: وَمِمَّنْ هَذَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ قَالَ: فَهَلْ لِلدَّهْرِ يَا سَطِيحُ مِنْ آخِرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَوْمَ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونِ، يَسْعَدُ الْمُحْسِنَونَ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ -[90]-، قَالَ: أَحَقٌّ مَا تُخْبِرَنِي يَا سَطِيحُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالشَّفَقِ وَالْغَسْقِ، وَالْفَلَقِ إِذَا اتَّسَقَ، إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ بِهِ لَحَقٌّ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَدِمَ عَلَيْهِ شِقٌّ، فَقَالَ: يَا شِقُّ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفُظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِتَأْوِيلِهَا. قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ حُمَمَةً، خَرَجَتْ مِنْ ظُلْمَةٍ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَةٍ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ نَسَمَةٍ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، عَرَفَ أَنَّهُمَا قَدِ اتَّفَقَا إِلَّا أَنَّ سَطِيحًا قَالَ: وَقَعَتْ بِأَرْضٍ تَهِمَةٍ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمَةٍ، فَقَالَ لَهُ: مَا أَخْطَأْتَ مِنْهَا يَا شِقُّ شَيْئًا، فَمَا عِنْدَكَ فِي تَأْوِيلِهَا؟ قَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ إِنْسَانٍ، لَيَنْزِلَنَّ أَرْضَكُمُ السُّودَانُ، فَيَغْلِبَنَّ كُلَّ ذَاتِ طَفْلَةِ الْبَنَانِ، وَلَيَمْلِكُنَّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إِلَى نَجْرَانَ، قَالَ الْمَلِكُ: وَأَبِيكَ يَا شِقُّ، إِنَّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانٍ، ثُمَّ يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شَأْنٍ، يُذِيقُهُمْ أَشَدَّ الْهَوَانِ قَالَ: وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشَّأْنِ؟ قَالَ: غُلَامٌ لَيْسَ بَدَنِيٍّ، وَلَا مُزْنٍ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزِنٍ، قَالَ: وَهَلْ يَدُومُ سُلْطَانُهُ أَوْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولٍ مُرْسَلٍ، يَأْتِي بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ بَيْنَ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى يَوْمِ الْفَصْلِ، قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ قَالَ: يَوْمٌ يُجْزَى فِيهِ الْوُلَاةُ، وَيُدْعَى فِيهِ مِنَ السَّمَاءِ بِدَعَوَاتٍ، فَتَسْمَعُ الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَتُجْمَعُ فِيهِ النَّاسَ لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فِيهِ لِمَنِ اتَّقَى الْفَوْزُ وَالْخَيْرَاتِ، قَالَ: حَقًّا مَا تَقُولُ يَا شِقُّ؟ قَالَ: أَيْ وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ لَحَقٌ مَا فِيهِ أَمْضٌ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ إِنَّ الَّذِي قَالَا لَكَائِنٌ "
الصفحة 88
160