كتاب المقلق لابن الجوزي

9- قال أحمد: وحدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار, فيصبغ في النار صبغة, ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب؟ ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا بن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط)) .
(انفرد بإخراجه مسلم)
10- قال أحمد: وحدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب قال:
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال: ((استعيذوا بالله من عذاب القبر)) مرتين أو ثلاثاً ثم قال:
-[36]-
((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه, كأن وجوههم الشمس, معهم كفن من أكفان الجنة, وحنوط من حنوط الجنة, حتى يجلسوا منه مد البصر, ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه, فيقول: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان, فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء, فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذها فيجعلوها في ذلك الكفن, وفي ذلك الحنوط, ويخرج منها كأطيب نفحة مسك, وجدت على وجه الأرض, فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى التي تليها, حتى ينتهي به إلى السماء السابعة, فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين, وأعيدوه إلى الأرض, فإني منها خلقتهم, وفيها أعيدهم, ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال: فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولون له: من ربك؟ فيقول: ربي الله عز وجل. فيقولون له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة, وألبسوه من الجنة, وافتحوا له باباً إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها, ويفسح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه, حسن الثياب, طيب الريح, فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح, فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا, وإقبال من الآخرة نزل -[37]- إليه من السماء ملائكة سود الوجوه, معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه, فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين, حتى يجعلوها في تلك المسوح, ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض, فيصعدون بها, ولا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث, فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا, حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له, ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين من الأرض السفلى. فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق}
فتعاد روحه في جسده, ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فينادي مناد من السماء: أن كذب فأفرشوه من النار, وافتحوا له باباً إلى النار, فيأتيه من حرها وسمومها, ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الرائحة، فيقول: أبشر بالذي يسؤك، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث فيقول: رب لا تقم الساعة)) .

الصفحة 35