كتاب تفسير العثيمين: الحجرات - الحديد

الله عليه وعلى آله وسلم بحثوا عن أمره في السر - يعني فيما لا يظهر للناس - وهو العمل الذي يفعله في بيته من العبادات فكأنهم تقالُّوها فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأما هم فلم يكن لهم ذلك، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: «أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (¬١)
فحذرهم أن يعملوا عملاً يشق عليهم، ومن ذلك أيضاً حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه وعن أبيه - أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قوله: إنه ليصومن النهار، وليقومن الليل ما عاش، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنت قلت هذا؟» قال: نعم، قال: «إنك لا تطيق ذلك» (¬٢) ثم أرشده لما هو أفضل وأهون، والحاصل أنه يوجد من الصحابة - رضي الله عنهم - من له همَّة عالية لكن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا يطيعهم في كثير من الأمر؛ لأن ذلك يشق عليهم لو أنه أطاعهم، ثم قال عز وجل: {ولكن الله حبب إليكم الإِيمان} ، قد يقول قائل: ما هو ارتباط قوله: {ولكن الله حبب إليكم الإِيمان} بقوله: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأَمر لعنتم} ؟.
والجواب: أنكم تطيعونه - أي الرسول عليه الصلاة
---------------
(¬١) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح (٥٠٦٣) ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه ... (١٤٠١) ..
(¬٢) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم الدهر (١٩٧٦) ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقًّا ... (١١٥٩) .

الصفحة 29