كتاب تفسير العثيمين: الحجرات - الحديد

والمؤمنات} يوم القيامة {يسعى نورهم بين أيديهم} أي: أمامهم {وبأيمانهم} يكون من الأمام ومن اليمين، أما من الأمام فلأجل أن يقتدي الإنسان به، وأما عن اليمين فتكريماً لليمين يكون بين أيديهم وبأيمانهم، وقوله: {يسعى نورهم} يفيد أن هذا النور على
حسب الإيمان، لأن الحكم إذا علق بوصف كان قويًّا بقوة ذلك الوصف، وضعيفاً بضعفه، إذن نورهم على حسب إيمانهم الذكر والأنثى.
{بشراكم اليوم جنات} تقول الملائكة لهم {بشراكم} أي: ما تبشرون به {اليوم} يعني يوم القيامة {جنات تجرى من تحتها الأنهار} هذه الجنات فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها ما يشاءون، كما قال الله عز وجل: {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد} وجمعها لأنها جنات متعددة متنوعة، ودرجات مختلفة حسب قوة الإيمان والعمل وقوله {تجرى من تحتها الأنهار} أي: تسير، وقد بين الله تبارك وتعالى في سورة القتال أنها أربعة {أنهار من ماء غير ءاسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} وهذه الأنهار لا تحتاج إلى حفر ساقية ولا إلى جدول، بل تسير على سطح الأرض، حيث شاء أهلها، قال ابن القيم - رحمه الله -:
أنهارها من غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضان
فلا تذهب يميناً ولا شمالاً إلا حيث أراد أهلها، وقوله {من تحتها} إشارة إلى علو قصورها وأشجارها، يعني تكون هذه الأنهار من تحت هذه القصور العالية والأشجار الرفيعة {خالدين فيها} أي:

الصفحة 386