كتاب تفسير العثيمين: الحجرات - الحديد

الواقع، لكن النفوس معها غفلة يسهو بها الإنسان عن مثل هذا الأمر الواقع، فيظن أن كل شيء على ما يرام، ويستبعد زوال الدنيا،
أو زواله هو عن الدنيا، أما الآخرة فاستمع إليها، قال: {وفي الأَخرة عذاب شديد} للكافرين، {ومغفرة من الله ورضوان} للمؤمنين، فأيما أحق أن يؤثر الإنسان؟ الدنيا التي مآلها الفناء والزوال، أو الآخرة؟! يؤثر الآخرة هذا العقل، لأنك إن آثرت الدنيا ففي الآخرة عذاب شديد، وإن آثرت الآخرة ففيها مغفرة من الله ورضوان، {ومغفرة} للذنوب {ورضوان} بالحسنات، {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} هذه الجملة فيها حصر طريقة النفي والإثبات، وهو أعلى طرق الحصر، {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} ، يغتر بها الإنسان، فيلهو ويلعب ويفرح ويبطر ثم تزول، كل هذه الجمل وهذه الأوصاف يريد الله عز وجل - وهو أعلم - أن يزهد الإنسان في الدنيا ويرغبه في الآخرة، ومن زهد بالدنيا ورغب في الآخرة لم يفته شيء من نعيم الدنيا حتى وإن افتقر، فإنه لا يفوته نعيم الدنيا، ودليل هذا من القرآن والسنة، قال الله - عز وجل -: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبةً} لم يقل لنكثرن ماله وأولاده وقصوره {فلنحيينه حياة طيبةً} مطمئنة مستريح البال فيها، {ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} ، وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك في قوله: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء فصبر فكان

الصفحة 406