كتاب تفسير العثيمين: الحجرات - الحديد

العدم، وأعدك وأمدك بالنعم، يسر لك الهدى، فلا أحد أعظم منة من الله، ولهذا قال الله - عز وجل -: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان} ولما جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأنصار في غزوة حنين حين قسم الغنائم بين المؤلفة قلوبهم كان يقرر عليهم قال لهم: «ألم أجدكم ضلَاّلاً فهداكم الله بي» قالوا: الله ورسوله أمن. قال: «ألم أجدكم متفرقين فألف الله قلوبكم بي» ؟ (¬١) قالوا: الله ورسوله أمن. كلما قال قولاً قالوا: الله ورسوله أمن، يعني أعظم منة، فالحاصل أن الله تعالى ذو الفضل العظيم، ولكن يؤتي فضله من هو مستحق له، كما قال - عز وجل -: {ويؤت كل ذي فضل فضله} اللهم إني أسألك من فضلك العظيم أن تهدي قلوبنا وتصلح أعمالنا، وتختم لنا بخير إنك على كل شيء قدير.
{مآ أصاب من مصيبة في الأَرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأهآ إن ذلك على الله يسير} يعني جميع المصائب التي تصيب الإنسان في الأرض أو في نفسه قد كتبت من قبل. والمصيبة في الأرض كالجدب، وقلة الأمطار، وغور المياه وصعوبة منالها، وربما يقال أيضاً الفتن والحروب وغيرها {ولا في أنفسكم} أي: في نفس الإنسان ذاته من مرض، أو فقد حبيب، أو فقد مال، أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها {إلا في كتاب} ، هذا الكتاب هو اللوح المحفوظ، كتب الله فيه مقادير كل شيء، لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له: اكتب
---------------
(¬١) تقدم ص ٦٩.

الصفحة 412