كتاب تفسير العثيمين: الحجرات - الحديد

وجل - وجعله آية لهذا النبي عليه السلام. وكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخه فيطير، قال الله - عز وجل -: {فيكون طيرًا بإذن الله} وفي قراءة ثانية: (يكون طائراً) ، وإذا جمعت بين القراءتين صار المعنى طيراً بإذن الله يطير، لأنه ما كل طير يطير، فالنعامة لها جناح ولكنها لا تطير، لكن يكون طيراً يطير يشاهد في الجو وهو خلقه من طين، وهذا لا يقدر عليه إلا الله، وجعله الله آية لعيسى.
فإن قال قائل: لماذا خص الله موسى بالعصا وخص عيسى بإحياء الموتى وخلق الطيور؟
قال أهل العلم: إن الله - عز وجل - حكيم يجعل لكل نبي من الآيات ما يناسب الوقت، وحال الناس حتى يعجزهم، فالسحر ترقى إلى حد بعيد في عهد موسى عليه الصلاة والسلام فأراهم الله آية يعجزون عنها بالسحر، ولهذا السحرة في قصة موسى العارفون بالسحر ما ملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا، ألقي السحرة ساجدين، كأنهم بغير اختيار، فسجدوا وقالوا إعلاناً: {قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} وعيسى عليه الصلاة والسلام ترقى في عهده الطب ترقياً عظيماً فأعطاه الله آية لا يستطيع الأطباء أن يأتوا بمثلها، أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه بعث في زمن البلاغة العظيمة التي ترقت إلى أعلى ما يكون في العرب واللسان العربي المبين أفصح الألسنة وأدلها على ما في الضمير، فبعثه الله - عز وجل - بقرآن كريم أعجز العرب أن يأتوا بمثله، ولن يأتي أحد بمثله لا الجن ولا الإنس، قال الله - عز

الصفحة 420