كتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها
أو تكون حالاً، وتقوم مقامها لا تقول: "فعلت ذلك غير خائف منك أي لا خائفاً منك".
في:
زعموا أن "في" للتضمُّن، تقول: "المال في الكِيس" و"الماء في الجَرَّة". ويقولون: إنها تكون بمعنى على في قوله جلّ ثناؤه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 1.
وإنها تكون بمعنى مع في قوله جلّ ثناؤه: {فِي تِسْعِ آَيَاتٍ} 2.
وكان بعضهم يقول: إنما قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} , لأن الجذع للمصلوب بمنزلة القبر للمقبور فلذلك جاز أن يقال فيه هذا. وأنشدوا3:
هُمُ صلبوا العَبْديَّ في جِذْع نخلة ... فلا عَطسَتْ شيبَانُ إلاَّ بأجدعا
قَدْ:
"قَدْ" جواب لمتوقَّع، وهي نقيضُ "ما" التي للنفي، وليس من الوجه الابتداء بها إلا أن تكون جواباً للمتوقع، وقوله عزّ وجلّ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} على هذا المعنى، لأن القوم توقعوا علمَ حالهم عندَ الله تبارك اسمه فقيل لهم: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} 4 والحقيقةُ ما ذكرناه.
كم:
موضوعة للكثير في مقابلة "رُبَّ" تقول: "كم رجل لقيت".
وتكون استفهاماً، تقول: "كم مالُكَ?".
وقال الفَرَّاء: نُرى أن قول العرب "كم مالك?" أنها "ما" وُصِلتْ من أولها بكاف، ثم إن الكلام كثر بِـ"كم" حتى حُذِفَت الألف من آخرها وسكّنت ميمها,
__________
1 سورة طه، الآية: 71.
2 سورة النمل، الآية: 12.
3 المقتضب: 2/ 319، بلا عزو، وينسب إلى سويد بن أبي كاهل كما في ملحق ديوانه: 54. والأجدع: السجين أو الأقطع أو الشيطان.
4 سورة المؤمنون: الآية: 1.