كتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها

وذكر بعضهم أن "ما" هذه هي التي تذكر في التعجب إذا قلنا "ما أحسنَ زيداً".
وقد تكون "ما" مضمرة، كقوله جلّ ثناؤه: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} 1 أراد: ما ثَمّ. وكما قال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} 2 أي: ما بيني. و {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} 3 أي ما بينَكم. فإذا قلت: "بينُكم" فمعناه: وصلُكم.
وتكون للنفي، نحو: "ما فعلتُ".
وتكون لاستفهام، نحو: "ما عندك?". وزعم ناس في قولهم: "قَبْلَ عَيْرٍ وَمَا جرى" أن "ما" للنفي وأنشدوا قول الشمّاخ4:
أعَدْوَ الْقِمصَّى قَبْلَ عَيْرٍ وما جَرَىَ ... ولم تدْرِ ما خُبرِي ولم أدرِ مالَها
يقول: نفرتْ هذه المرأة منّي مثل ما نفرت أتان من عَيْر من قبل أن يبلوَها ويعدوَها إليها. وما جرى، أي: لم يجرِ إليها.
من:
يُسميها أهل العربية "ابتداءَ غاية". وتكون للجنس، نحو "خاتمٌ من حديد".
وتكون للتبعيض، نحو: "أكلت من الرَّغيف".
وتكون رفعاً للجنس نحو: "ما جاءني من رجل".
وتكون صِلةً، نحو قوله جلّ ثناؤه: {مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} 5، و {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} 6.
وتكون تعجّباً، نحو: "ما أنت من رجل" و"حسبك من رجل".
__________
1 سورة الإنسان، الآية: 20.
2 سورة الكهف، الآية: 78.
3 سورة الأنعام، الآية: 94.
4 ديوانه: 288. والقمصى: العدو الشديد.
5 سورة البقرة، الآية: 105.
6 سورة النساء، الآية: 31.

الصفحة 126