كتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها
فلا وأبيكِ ابنةَ العامريّ ... لا يدَّعي القومُ أنّي أفِرْ
تَمِيمُ بنُ مُرٍّ وأشياعُها ... وكِنْدةُ حَوْلي جميعاً صُبُرْ
معناه: لا يدَّعي القوم تميمٌ وأشياعها أنّي أفِرْ وكِندةُ حولي.
باب التقديم والتأخير:
من سُنن العرب تقديمُ الكلام وهو في المعنى مُؤخّر، وتَأخِيرُهُ وهو في المعنى مُقَدَّم. كقول ذي الرُّمّة1:
ما بالُ عينِكَ منها الماءُ يَنْسكبُ
أراد: ما بالك عينك ينسكب منها الماء. وقد جاء مثلُ ذلك في القرآن قال الله جلّ ثناؤه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} 2 تأويله والله أعلم: ولو ترى إذ فزعوا وأخِذوا من مكان قريب فلا فوتَ
لأنّ لا فوت يكون بعد الأخذ.
ومن ذلك قوله جلّ ثناؤه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} 4 يعني القيامَة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} 4 وذلك يوم القيامَة ثم قال: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌُ} 5 والنَّصَبُ والعملُ يكونان في الدنيا، فكأنه إذاً على التقديم والتأخير معناه: وجوهٌ عاملة ناصبَةٌ في الدنيا، يومئذ -أي يومَ القيامة- خاشِعة. والدليل على هذا قوله جلّ اسمه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} 6.
ومنه قوله جلّ ثناؤه: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 7 المعنى: لا تُعجبْك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا. وكذلك قوله جلّ ثناؤه: {فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا
__________
1 ديوان ذي الرمة: 10.
2 سورة سبأ، الآية: 51.
3 سورة الغاشية، الآية: 1.
4 سورة الغاشية، الآية: 2.
5 سورة الغاشية، الآية: 3.
6 سورة الغاشية، الآية: 8.
7 سورة التوبة، الآية: 55.
الصفحة 189
238