كتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها
القديمة حَتَّى يتباعد ما بينها فِي الجودة فلا. وبكل يُحْتَجّ وإلى كلٍّ يُحتاج. فأما الاختيار الَّذِي يراه الناسُ للناس فشَهَوات، كلٌّ مستحسِنٌ شيئاً.
والشعراء أمراء الكلام، يقصرون الممدود، ولا يمدُّون المقصور، ويقدّمون ويؤخرون، ويؤمنون ويشيرون، ويختلسون ويُعيرون ويستعيرون. فأما لحنٌ فِي إعراب أَوْ إزالةُ كلمة عن نهج صواب فليس لهم ذَلِكَ. ولا معنى لقول من يقول: إن للشاعر عند الضرورة أن يأتيَ فِي شِعره بما لا يجوز. ولا معنى لقول من قال1:
ألم يأتيكَ والأنباء تَنْمي
وهذا وإن صحّ وَمَا أشبهه من قوله:
لما جَفا إخوانُه مصْعَباً
وقوله:
قِفا عند مِمّا تعرِفان رُبوعُ
فكلُّه غلط وخطأ، وَمَا جعل الله الشعراء معصومين يُوَقَّوْن الخطأ والغلط، فما صحَّ من شعرهم فمقبول، وَمَا أبَتْهُ العربية وأصولها فَمَرْدُودُ. بَلَى للشاعر إذَا لَمْ يَطَّرِدْ لَهُ الَّذِي يُريده فِي وزن شعره أن يأتي بما يقوم مقامه بَسْطاً واختِصاراً وإبْدالاً بعد أن لا يكون فيما يأتيه مُخْطِئاً أَوْ لاحناً، فله أن يقول2:
كالنَّحْلِ فِي ماءِ رُضابِ العَذْبِ
وهو يُريد العسَل، وله أن يقول3:
مثل الفَنِيق هَنَأتَهُ بعصيم
__________
1 خزانة الأدب: 8/ 359، والإنصاف: 1/ 30، وشرح أبيات سيبويه: 1/ 340، وعجزه:
بما لاقت لبون بني زياد
2 ديوان رؤبة: 17. وروايته:
وعدة عجت عليها صحبي ... كالنحل بالماء الرضاب العذب
3 ديوان لبيد بن ربيعة: 191، وفي المقاييس: مادة "شوف" بلا عزو. وصدره: "بحظيرة توفي الجديل سريحة"، وعجزه في الديوان:
مثل المشوف هنأته بعصيم
والفنيق: الفحل المكرم لا يؤذى لكرامته.
الصفحة 213
238