كتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها

جلّ وعزَّ وسُنَّتُه، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما كَانَتْ العرب تستعمله ثُمَّ تُرك قولهم: حِجْراً محجوزاً. وَكَانَ هَذَا عندهم لمعنيين: أحدهما عند الحِرْمان إِذَا سُئِل الإنسان قال: حجراً محجوراً، فيعلم السائل أنه يريد أن يحرمه. ومنه قوله1:
حَنَّتْ إِلَى النَّخلة القُصْوى فقلت لَهَا ... حِجْرٌ حرام ألا تِلْكَ الدَّهارِيسُ
والوجه الآخر: الاستعاذة. كَانَ الإنسان إِذَا سافر فرأى من يخافه قال: حِجْراً محجوراً. أي حرام عَلَيْكَ التعرّض لي. وَعَلَى هَذَا فُسِّر قوله عزّ وجلّ: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} 2 يقول المجرمون ذَلِكَ كما كانوا يقولونه فِي الدنيا.
__________
1 البيت للمتلمس كما في "ما اتفق لفظه واختلف معناه": 82 مادة "الحجر" وفي جمهرة أشعار العرب: 263.
2 سورة الفرقان، الآية: 22.
باب مَا جرى مجرى الأسماء وإنما هي ألقاب:
ومما جرى مجرى الاسم وهو لقب قولهم: مُدْركة وطابخة. وذلك فِي العرب عَلَى ثلاثة أضرب: ضربٌ مدح، وضربٌ ذم، وضربُ تلقُّب الإنسان لفعل يفعله.
فالمدح1: تلقيبهم البَحْر والحَبْرَ والباقر والصادق والدّيباج وغيرهم.
والذم2: فكتلقيبهم بالوَزَغ ورَشْح الحَجَر وَمَا أشبه ذَلِكَ.
وأما اللقب المأخوذ من فعل يُفعل فكطابخة ومدركة.
__________
1 يريدون بالبحر: الرجل الكريم، وبالحبر: الرجل العالم أو الصالح، وبالباقر: العالم المتبحر بالعلم لأن أصل البقر: الشق والتوسع، والديباج: من المعرب: الناقة الفتية الشابة.
2 الوزغ: جمع الوزغة وهي سام أبرص وسميت بها لخفت وسرعة حركتها، ويسمى الرجل الحارض الفشل بالوزع.

الصفحة 56