كتاب أخبار النساء لابن الجوزي

تقضي حقّاً لبعض القرشيّين. وكانت ظريفةً جميلةً، فرآها من بني أميّة رجلٌ فأعجبته، وتأمّلها فأخذت بقلبه، وسأل عنها فقيل له: هذه حميدة بنت عمر بن عبد الله بن حمزة. ووصفت له بما زاد فيها كلفه، فخطبها إلى أهلها فزوّجوه إيّاها على كرهٍ منها، وأهديت إليه فرأت من كرمه وأدبه وحسن عشرته ما وجدت به، فلم تقم عنده إلاّّ قليلاً حتّى أخرج أهل المدينة بني أميّة إلى الشّام، فنزل بها أمرٌ ما ابتليت بمثله، فاشتدّ بكاؤها على زوجها وبكاؤه عليها، وخيّرت بين أن تجمع معه مفارقة الأهل والولد والأقارب والوطن أو تتخلّف عنه مع ما تجد به، فلم تجد أخفّ عندها من الخروج معه مختارةً له على الدّنيا وما فيها. فلمّا صارت بالشّام صارت تبكي ليلها ونهارها ولا تتهنّأ طعاماً ولا شراباً شوقاً إلى أهلها ووطنها، فخرجت يوماً بدمشق مع نسوةٍ تقضي حقّاً لبعض القرشيّين فمرّت بفتىً جالسٍ على باب منزله، وهو يتمثّل بهذه الأبيات:
ألا ليت شعري، هل تغيّر بعدنا ... صحون المصلّى، أم كعهدي القرائن؟
وهل أدور حول البلاط عوامرٌ ... من الحيّ، أم هل بالمدينة ساكن؟

الصفحة 132