كتاب أخبار النساء لابن الجوزي
كالوهاد انقشعت وأقلعت وقد غادرت الغدران مترعةً برفقٍ، والقيعان ناضرةً تتألّق، يتضاحك بأنوار الزّهرالغضّ حتّى إذا هممت بتشبيه منظرٍ حسنٍ رددته إليه، وإذا تقت إلى موضعٍ طيّبٍ لم يجد في البكاء معولاً إلاّّ عليه. فسرحت طرفي راتعاً في أحسن منظرٍ، واستنشقت من رياها أطيب من ريح المسك الأذفر. فقلت لزميلي: ويحك أمض بنا إلى هذه الخيمات، فلعلّنا نلقى من نأثر عنه خبراً، نرجع به إلى بغداد.
فلمّا انتهينا إلى أوائلها إذا نحن بخباء على باب جارية مبرقعة بطرف مريض وسنان النّظر قد حشي فتوراً، ومليء سحراً، فقلت لصاحبي: والله إنّها لترنو عن مقلة لا رقية لسليمها ولا برء لسقيمها. فقال لي: وكيف السّبيل إلى ذلك؟ فقلت: استسقها ماءً. فدنونا منها فاستسقيناه فقالت نعم، ونعما عين وإن نزلتما ففي الرّحب والسّعة. ثمّ قامت تتهادى كالدّعص الملبد. فراعني والله ما رأيت منها، فأتت بالماء فشربت منه، وصببت باقية على يدي، ثمّ قلت: وصاحبي عطشانٌ أيضاً. فأخذت الإناء ودخلت الخباء ثمّ جاءت، فقلت لصاحبي: تعرض لكشف وجهها. فقال:
إذا بارك الله في ملبسٍ ... فلا بارك الله في البرقع
تريك عيون المها غرّةً ... وتكشف عن منظرٍ أشنع
فمرّت مسرعةً وأتت وقد كشف البرقع وتقنّعت بخمارٍ أسود وأنشأت وهي تقول:
الصفحة 159
255