كتاب أخبار النساء لابن الجوزي
ألا حيّ ضيفي معشر قد أراهما ... أضلّا ولمّا يعرفا مبتغاهما
هما استقيا ماءً على غير ظمأةٍ ... ليستمتعا باللحظ ممّن سقاهما
يذمّان تلباس البراقع ضلّة ... كما ذمّ تجرا سلعةً مشتراهما
قال: فشبّهت، والله كلامها بعقد درٍّ وهي من سلكه. فهو ينتثر بنغمةٍ عذبةٍ رخيمةٍ لو خوطبت به الصّمّ الصّلاب لانبجست ماءٌ لرطوبة منطقها، وعذوبة لفظها، بوجهٍ يظلم لنوره ضياء العقول، ويتلف من رؤيته مهج النّفوس. فهي كما قال:
فرقّت وجلّت واستكرت فأكملت ... فلو جنّ إنسانٌ من الحسن جنّت
فلم أتمالك أن خررت ساجداً، فقالت: ارفع رأسك غير مأجورٍ، ولا تذمّنّ بعدها برقعاً. فكشف البرقع عمّا يطرد الكرى، ويشغل الهوى، من غير بلوغ أربٍ، ولا إدراك طلبٍ. وليس إلاّّ الحين المملوب، والقدر المكتوب، والأمل المكذوب. فبقيت والله معقول اللسان عن الجواب، حيران لا أهتدي إلى طريق الصّواب. والتفت إليّ صاحبي لمّا رأى لهفي فقال: ما هذه الخفّة لوجهٍ، إنّما برقت لك بارقةً لعلّك ما تدري ما تحتها. أما سمعت قول الشّاعر؟ حيث يقول:
على وجه مّيٍ مسحةٌ من ملاحةٍ ... وتحت الثّياب العار لو كان باديا
فقالت: بئس ما ذهبت إليه، لا أبالك، لأنّا أشبه بقول الشّاعر حيث يقول:
الصفحة 160
255