كتاب أخبار النساء لابن الجوزي

فخلّصني من الأسود. ولم أكد أخلص منه فخرجت من المغارة فإذا هنّ ينظرن من الخيمات كأنّهنّ لآلئ ينحدرن من سلكٍ، وهنّ يتضاحكن حتّى غبن عن بصري. فأسرعنا الرّجعة إلى رحالنا فقلت لصاحبي: من أين جاء الأسود؟ قال: كان يرعى غنماً عند ربوةٍ من المغارة، فأومأن إليه، فأسرع نحوهنّ، فأوحين إليه شيئاً فرابني ذلك. فأسرعت نحوك فسبقني ودخل عليك، ولولا ذلك لكان قد تمكّن منك الأسود. فقلت: أتراه كان يفعل؟ قال لي: فأنت في شكٍّ من هذا؟ فقلت له: اكتم عليّ. وانصرفت وأنا والله أخزى من ذات النّحيين.

قال دعبل بن علي: بينا أنا سائرٌ بباب الكرج وقد استولى الفكر على قلبي فحضرني بيت شعرٍ خطر به لساني من غي النّطق به، فقلت:
دموع عيني لها انبساط ... ونوم جفني له انقباض
وإذا جاريةٌ معترضةٌ تسمع كلامي فقالت:
وذا قليلٍ لمن دهته ... بلحظها الأعين المراض
فلم أعلم أنّي خاطبت جاريةً أعذب منها لفظاً، ولا أسحر طرفاً، ولا أنضر خدّاً، ولا أحسن مشياً، ولا أرجح عقلاً. فوددت أنّ كلّ جارحةٍ منّي عينٌ تنظر، أو قلبٌ يفهم، أو أذنٌ تسمع. فقلت:

الصفحة 165