كتاب أخبار النساء لابن الجوزي
لا يقدرون على منعي، وإن جهدوا ... إذا مررت، وتسليمي بإجهاري.
فسمعت أمّ جعفر صوته فأمرت خدّامها فصاحوا بملاحة فقدم وصعد إليها، فدعت له بكرسيٍّ وصينيّةٍ فيها نبيذٌ فشرب، وخلعت عليه وقالت لجواريها: أضربن معه. فكان أوّل ما تغنّى به:
أغيب عنك بودٍّ لا يغيره ... نأي المحلّ ولا صرفٌ من الزّمن
فإن أعش فلعلّ الدّهر يجمعنا ... وإن أمت فبطول الشّوق والحزن
قد حسّن في عينيّ ما صنعت ... حتّى أرى حسناً ما ليس بالحسن
قال، فاندفعت البهار تباريه في الصّوت وتغنّي:
تعتلّ بالشّغل عنّا لا تكلّمنا ... والشّغل للقلب ليس الشّغل للبدن
فضحكت أمّ جعفر، وقالت، ما رأيت ولا سمعت قط بأحسن من هذا. ووهبت له الجّارية فأخذها وانصرف.
قال إبراهيم بن الخطيب: حدّثني مخارق قال: كنت عند الرّشيد فلمّا أراد الانصراف قال لي: يا مخارق بكّر عليّ. فقلت: نعم يا أمير المؤمنين. فلمّا أصبحت بكّرت أريد ما ذكره، فإذا جارية راكبة وهي أحسن النّاس عينين في النّقاب، فنظرت إليها، ونظرت إليّ، فلم أملك نفسي وتعشّقتها وتبعتها حتّى دخلت منزل المعبدي الهاشمي، فقلت لغلماني:
الصفحة 181
255