كتاب أخبار النساء لابن الجوزي
إذا كان المغرب فصيروا إليّ، فإذا كنت في الدّنيا خرجت إليكم، وإذا كنت متّ فقد قضيت وطراً. قال: واقتحمت ودخلت الدّار، فإذا جماعةٌ مجتمعون وقد أحضروا طعاماً فأكلت معهم، وأحضر الشّراب، وغنّت الجّارية فإذا هي أحذق النّاس وأطيبهم، فغنّيت، فقال المعبدي: ما أحسنه وأبهاه، فمن هو؟ فقال له القوم: ما نعرفه. فقال: ما أظرف هذا يدخل منزلي بغير أمري أبغوا إليّ صاحب الشّرطة. وكلّ ذلك بمسمعي، قالت الجّارية: يا مولاي لا تفعل، لعلّ له عذراً. فبحياتي هب لي جرمه فقد رحمته، وأحسب أنّ هذه صناعته. قال: فطابت نفسي فلمّا خرجت قال لي: يا فتى تغنّي؟ فقلت: نعم. فغنّيت، فطرب القوم وقال المعبدي: إن كان في الدّنيا مخارق فأنت هو! قلت: نعم أنا مخارق وحدّثته حديثي والسّبب في دخول منزله، فسرّ وفرح ودعا بدواةٍ وقرطاسٍ وأقبل يكتب ويعود إليه الجواب، ثمّ وزن مالاً ووجّه به.
فلمّا كان بالعشيّ قال: يا غلام هات تلك العتيدة. فأحضر عتيدةً مملوءةً طيباً، وقال: هات ذلك التّخت. فأحضره إيّاه، فقال: أتدري ما نحن فيه: قلت: لا. قال: قد اشتريت لك الجّارية بأربعين ألف دينار، وهذه عتيدةٌ فيها طيب، وتخت ثياب. فأخذت بيدها وانصرفت بها عروساً، فلمّا أصبحت بكّرت على الرّشيد فقال لي: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ فحدّثته الحديث فسرّ به، وقال: ما توهّمت أنّ في أهلي مثل هذا. وأمر من ساعته أن يحمل إليه أربعون ألف دينار.
وكان ليوسف بن القاسم، وهو أبو أحمد بن يوسف، وزير المأمون، غلامٌ أسودٌ متأدّبٌ نشأ في الأعراب فهوى جاريةً لرجلٍ قرشيٍّ، فشكاه القرشيّ لمولاه، فضربه وحبسه، وحلف أن لا يطلقه إلاّ بعد شفاعة من شكاه، فقيل له: ويحك أتحبّك كما تحبّها؟ فقال:
الصفحة 182
255