كتاب أخبار النساء لابن الجوزي
خوفاً ورعباً، فقال له: من دفع هذا الكتاب إليك وأنت آمن؟ فإن صدقت نجوت، وإن لم تصدق ضربت عنقك. قال: يا مولاي إنّ لمولاتي فتيحة وكيلاً يتصرّف في أمرها من أبناء البرامكة وهو يحبّ جاريتها نسيم الكاتبة، وأنا أسعى بينهما بالكتب التي يتكاتبان بها. فقال له: امض بلا خوف عليك. ثمّ قام المتوكّل فدخل على فتيحة وقال لها خذي في أمر جاريتك نسيم الكاتبة فإنّي قد زوّجتها من فلان وكيلا وأنقدت عنه عشرة آلاف درهمٍ. وأمر بإحضار الوكيل فقال له: هل لك في نسيمٍ؟ فذهب عقله، وطار قلبه، وخاف خوفاً شديداً، فقال له: تكلّم وأنت آمن، فقد زوّجتك بها، ومهرتها عشرة آلاف درهمٍ وأمرت لا بعشرة آلاف تولم بها. وسأل فتيحة تعجيل زفافها إليه ففعلت.
وحكى الهيثم بن عدي، عن ابن عبّاس، قال: كانت عاتكة بنت يزيد بن معاوية تحت عبد الملك بن مروان، وكان يجد بها ويحبّها حبّاً شديداً، فغضبت عليه، فطلب رضاها بكلّ أمرٍ، فأبت حتّى أضرّ به ذلك وشكا إلى خاصّته. فقال له عمر بن الأسدي: ما لي إن أرضيتها؟ قال له: حكمك. قال، فخرج فأتاها وجلس بين يديها يبكي. فقال له حاضنتها: ما لك يا أبا حفص؟ قال: لقد جئت إلى بنت عمّي في أمرٍ مهمٍّ عظيمٍ، فاستأذني لعلّها تقضي حاجتي. فقالت: ما بالك؟ فقال لها: قد عرفت حالي مع أمير المؤمنين عبد الملك، ولم يكن لي غير ابنين، فتعدّى أحدهما على الآخر فقتله. فقلت: أنا وليّ الدّم وقد عفوت. فقال أمير المؤمنين: ما أحبّ أن أعوّد رعيّتي هذا. وهو قتله بالغداة فنشدتك الله ألا كلّمته فيه، وسألته في إبقائه لي، فإنّك تجمعين في ذلك إحياءه وإحياء نفسي. فإنّه إن قتله قتلت نفسي. فقالت: ما أكلّمه. فقال لها: ما أظنّك تكسبين شيئاً أحبّ من إحياء نفسين. . . وبكى بكاءً شديداً: فلم يزل بها صواحبها وخدمها وحاشيتها حتّى قالت: عليّ بثيابي. فلبست، وكان بينها وبينه بابٌ قد ردمته.
الصفحة 184
255